كتاب الثقافة التي نحتاج إليها

مضروبون بسوط هيبته قد فقدوا العقول التي وهبهم الله ليميزوا بها الحسن من القبيح فهم يرون كلما يفعله أئمتهم وإن كان في غاية القبح حسنا وكل ما يخالفهم وإن كان في غاية الحسن قبيحا كما قال الشاعر:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة ... كما أن عين السخط تبدي المساوئا
هذا شأن عبيد الاستعمار الغربي، وكذلك عبيد الاستعمار الشيوعي فإنهم مثلهم أوأضل سبيلا فإنهم يقدسون الزعيم ويخترعون له من المزايا والفضائل حتى تضيق العبارات عما يريدون أن يصفوه به فإذا ملّه رفقاؤه وأرادوا أن يتخلصوا منه ليستبدلوه بغيره وقلبوا له ظهر المجن وأنزلوه من العرش وملأوا الدنيا بذمه وانتقاده إنقلب مادحوه والمعجبون به، وسلقوه بألسنة حداد وقد لا يكون بين إغراقهم في مدحه ومبالغتهم في ذمه إلا عشية أوضحاها كما وقع لرؤساء اليهود حين أسلم عبد الله بن سلام رضي الله عنه فإنه قال: "يا رسول الله إن اليهود قوم بهت وإنهم إذا علموا بإسلامي بهتوني وعابوني فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي" فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: "سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا"، فخرج عبد الله بن سلام وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد خبأه في بعض بيوته فقال: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله" فقالوا: "أرذلنا وابن أرذلنا وأجهلنا وابن أجهلنا" والقصة مذكورة في صحيح البخاري.
وكنت قبل بضع سنين في برلين فرآني شاب شيوعي أتيمم على تراب فلما صليت قال لي: "ما فائدة التمسح على التراب؟ الوضوء معقول لأن فيه نظافة، وأما التمسح على التراب فهوأمر شكلي مافيه فائدة" فقلت له: "أنت أخبرتني أن ستالين ألف كتابا في علم التربية وأنه كتاب مقرر في المدارس لتعليم علم التربية، ومن المعلوم أن ستالين لم يكن قط معلما ولا مدير مدرسة فضلا عن أن يكون من المختصين بعلم التربية فكيف صار تأليفه في علم التربية مقدما على غيره وهورجل عسكري قضى عمره كله في الحروب وليس له إلمام بالتربية لاعلما ولا تعليما فتأليفه في علم التربية أمر شكلي أما التيمم بالتراب فمعناه التواضع لله تعالى والخضوع له وطلب العون منه والشفاء من المرض الذي حال بين المتيمم وبين الوضوء وهذا معنى الصلاة أيضا".
هذا الزمان زمان الجهل والفتن ... فانظر إلى مافشا في الناس من نتن
يغمى على المرء في أيام محنته ... حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن
والتتن الدخان الذي يشربه الناس.
والحاصل أن المقلدين للشرق والغرب خسروا أنفسهم وفقدوا عقولهم وصاروا كالأنعام بل هم أضل سبيلا فهم كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ

الصفحة 31