كتاب الثقافة التي نحتاج إليها

اندثرت مدنيتها وقد نسي هؤلاء أو تناسوا القاعدة العظيمة وهي: "إن فاقد الشيء لا يعطيه".
لأن تلك الأمم وهي الفرس والبيزنطيون والروم لوكانت مدينتهم صالحة للبقاء والنمو والحياة ما تغلب عليهم قوم متوحشون جهال-بزعمكم-خارجون من الصحراء ليس لهم علم ولا أخلاق، ولا معرفة بالعمران ولا بالنظام وعلوم المغلوبين وأخلاقهم لوبقيت فيها حياة وصلاح ما غلبوا ولنفعت أهلها فكيف لا تنفع أهلها وهم أعلم الناس بها وتنفع اعداءهم؟ وهذا هوالحال عينه.
فهل سمعت بطبيب يصيبه مرض يعرف دواءه فيستعمل ذلك الدواء فلا ينفعه فيموت من علته ويموت كل قومه ثم يأتي أعداؤهم فيقرأون كتاب ذلك الطبيب ويأخذون منه الدواء فيستعملونه فيصحون عليه وهكذا يقال في الصيدلي يركب دواء فلا ينفع ذلك الدواء أحدا، ثم يأتي عدوه فيقرأ كتابه ويتعلم منه تركيب الأدوية فيدرك ما لم يدركه الصيدلي الذي اخترع الدواء وجربه مرارا وهكذا يقال في الفلاح والصانع نعم لوقيل أن المسلمين انتصروا على أهل الأرض بالأخلاق القرآنية ثم خدمتهم جنود السماوات والأرض كما وعدهم الله بذلك فتعلموا من الصناعات والحضارات ما زادهم قوة ونظاما لكان ذلك قريبا. أما أن الغالب يأخذ القوة من المغلوب، والحي يكتسب الحياة من الميت، والقوي يقتبس القوة من الضعيف فذلك مالا يكون أبدا.
ومثال آخر في البلدان التي يغلب على أهلها الجهل بالكتاب والسنة ويكون للدجالين فيها سلطان عظيم فترى أحدهم يبيع قصور الجنة بأثمان بخسة ويهب الأولاد للمصابين بالعقم من الرجال والنساء ويعطي الغنى وطول العمر والنجاح في الامتحان والترقي في مناصب الدولة وقدوم الغائب بسلامة وشفاء الأمراض.. كل ذلك بدريهمات قليلة فيصدقه الأغبياء، ومرة جاء أحد الدجاجلة وقال: من يشترى قصرا في الجنة بمائة ريال فقام رجل من العقلاء وقال هذا ألف ريال أعطني به بيتا في هذه القرية وحين تسلمه لي أسلم لك ألف ريال، وأنا أعلم أنك لا تقدر على ذلك وإذا كنت عاجزا أن تملك بيتا ولوحقيرا في هذه القرية فكيف تملك قصرا في الجنة يا قليل الحياء؟. فسقط في يده وضحك عليه الناس.
ومرة جاء دجال آخر وقال لرجل أبسط ثوبك فأخذ يأخذ بيديه كلتيهما حفنة من الهواء ويضع في ثوبه ويقول هذا الرزق ثم يأخذ حفنة أخرى ثم يقول هؤلاء الأولاد الصالحون ثم يأخذ حفنة أخرى ويقول هذا العمر الطويل ثم يأخذ حفنة أخرى ويقول هذا الحج إلى النبي المصطفى (والجهال في المغرب يظنون أن الحج في حجرة النبي صلى الله عليه وسلم)

الصفحة 33