كتاب الغزو الفكري
وفَقَدَ المسلمون بذلك أعظم سلاح في أيديهم بعد إيمانهم بالله، وهان على عدوِّهم بعد ذلك أن يفترس كل جماعة على حدة دون أن تنتصر لها الجماعة الأخرى.
فكرة الوطنية:
لا شك أن وحدة الوطن من عوامل وحدة الأمة وتماسكها ومن عناصر قوتها لذلك خطط الأعداء لتجزئة الوطن الإسلامي الواحد ولجعله أوطانا تفصل بينها الحدود والسدود المنيعة التي تحول دون التقاء الإخوة على غاية واحدة وتحت لواء واحد. وكان لهم ذلك، ووجدت دويلات وممالك وإمارات زائفة أراد لها الأعداء أن تكون فكانت. ولكن الأمر لم ينته عند التجزئة بل لا بد من التبرير والإبقاء على هذه التجزئة وذلك بربط الناس وشدهم إلى الأرض بعد أن قطعوا صلتهم بالسماء فكان لذلك هذا التغني بالأوطان وكان هذا التمجيد للأوطان وكان هذا التفاني في سبيل الأوطان، وغدا حب الوطن وسيلة لمرضاة الشيطان فالمسلم يحب وطنه ولا شك ويعتبر الدفاع عنه جزء من الدفاع عن دينه وكيانه وسيادته على أساس أن الوطن هو الأرض التي تقام عليها شعائر دينه ولا بد للدين من أرض ليستقر عليها وتطبق أحكامه ومبادئه فيها لهذا المعنى كان المسلم الذي يموت دون أرضه شهيدا وكان الدفاع عن الوطن حتما لازما. فالوطن لا يحب لذاته وإنما لأنه قد يكون وسيلة لمرضاة الله وذلك بإقامة الدين فوق أرضه، وأما إذا كان الدين غريبا في الوطن ما فالتعلق بذلك الوطن لمجرد كونه وطنا مظهر من مظاهر الوثنية والعصبية فالوطن بغير دين وثن. ولا يفهم من هذا بأن المسلم يتنازل عن وطنه بيسر وسهولة، بل يفهم منه أن المسلم لا يتمسك بوطنه إلا ليعبد الله على أرضه، وأنه يجاهد ليكون الدين كله لله في كل أرض الله في وطنه وغير وطنه.
فكرة العلمانية:
جاء الغزاة إلى الشرق المسلم ولما ينفضوا أيديهم بعد من ركام الكنيسة التي دمروها في أوروبا لتوهم وتحرروا بذلك من سلطان رجال الدين وأباطيلهم وأضاليلهم وخرافاتهم التي كانت تفرض عليهم باسم الدين والدين منها بريء فلما أثبتت التجارب والتقدم الفكري الهائل مناقضة آراء الكنيسة وأهوائها لحقائق العلم، وانجلى ذلك الصراع المرير بين الدين والعلم بهزيمة مروعة لدين الكنيسة صنف رواد النهضة العلمية أن الكنيسة في عداد الخرافات والخزعبلات والأوهام والأساطير التي لا تمت إلا الحقائق
الصفحة 25
153