كتاب محب الدين الخطيب

أفضل كتاب فِي التَّارِيخ الإسلامي؟ فَأجَاب: بِأَن التَّارِيخ الإسلامي لم يكْتب بعد, وَأفضل مَا كتب فِيهِ: تَارِيخ الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة لِابْنِ كثير رَحمَه الله, وَكَانَ يعْتَقد بِأَن تَشْوِيه تَارِيخ الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين كَانَ مَقْصُودا كتشويه عقائده وشرائعه, وَكَانَ يُؤمن بِأَن إِدْرَاك الْأمة لأمجاد ماضيها مفاخرة من أعوانها على تَقْوِيم حاضرها. ولنفي الدسائس والافتراءات اللصيقة بتاريخ الْمُسلمين, وللإجلاء عَن عَظمَة ذَلِك التَّارِيخ وصانعيه كَانَ يَدْعُو إِلَى دراسة التَّارِيخ على طَريقَة الْمُحدثين بالتثبت من الرِّوَايَات التاريخية وأسانيدها الصَّحِيحَة، على ضوء مَا هُوَ مَشْهُور ومعروف من سلوك صانعي التَّارِيخ من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، ولابد من تَجْرِيد التَّارِيخ من الْخبث الَّذِي لحقه على أَيدي أَعدَاء الْإِسْلَام وعَلى رَأس هَؤُلَاءِ: الرافضة, وَفِي هَذَا المجال يَقُول رَحمَه الله: "وَالْإِسْلَام الَّذِي لم تفتح الإنسانية عينيها على أَعلَى مِنْهُ رُتْبَة وَأعظم مِنْهُ محامد يجْتَهد مؤرخوه فِي تَشْوِيه صفحاته والحط من قدر رِجَاله لِأَن الَّذين دونوا تَارِيخ الْإِسْلَام كَانُوا أحد رجلَيْنِ: رجل جَاءَ بعد سُقُوط دولة فتقرب إِلَى رجال الدولة الجديدة بتسويء محَاسِن الدولة الْقَدِيمَة، ورحل اتخذ من الشموس الْأَرْبَعَة: أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان وَعلي، مثلا أَعلَى، فَكل قمر من أقمار الْعَرَب مَذْمُوم عِنْده مَوْصُوفا بالضآلة وَالنَّقْص؛ لِأَنَّهُ لَا يرَاهُ إِلَّا على نور تِلْكَ الشموس الَّتِي لَا تقاس مواهب غَيرهم بهم, بل إِن عُثْمَان وتضحياته الملائكية محيت فضائلها من أدمغة الْمُسلمين لسوء بَيَان المؤرخين, وَمُعَاوِيَة الَّذِي تتمنى أَيَّة أمة من عِظَام الْأُمَم أَن يكون لَهَا رجل يَتَّصِف بِعشر مواهبه وفضائله, صرنا نسْمع ذمه من أقذر النَّاس وأحط السوقة, والأمين الَّذِي كَانَ كبار الصَّحَابَة يجاهدون تَحت قيادته طائعين مختارين لصقت بِهِ أكاذيب تقرب الكثيرون بهَا إِلَى الله جهلا وتعصبا, أَقُول هَذَا وَأَنا علوي، ولكنى أَخَاف أَن يقوض الْمُسلمُونَ صروح فضائلهم وَأَن يهدموا قلاعا هِيَ من دواعي الْفَخر, بَيْنَمَا أَبْنَاؤُنَا يتعلمون من الأوربيين وصنائعهم تمجيد رجال لَو كشف الغطاء عَن تاريخهم الْحَقِيقِيّ لشممنا نَتنه" (مُقَدّمَة ديوَان مجد الْإِسْلَام) .
وَيبين أهمية تَصْحِيح التَّارِيخ فَيَقُول: "أَنا مُؤمن من صميم قلبِي أَن رِسَالَة الْإِسْلَام جديرة بِأَن تسْتَقْبل من مظَاهر العظمة فِي تَهْذِيب الإنسانية أبهر وأزهر مِمَّا كَانَ لَهَا فِي الْمَاضِي وَلنْ تستوفى هَذِه الرسَالَة مهمتها إِلَّا بإرجاع الإنسانية كلهَا إِلَى نظام الْفطْرَة الطاهرة وَذَلِكَ متقف على شَيْء وَاحِد هُوَ أَن يعرف الْعَرَب والسلمون من هم وَمِمَّنْ هم وَمَا هِيَ رسالتهم فِي الْحَيَاة. وَلنْ يكون ذَلِك إِلَّا إِذا بنوا مناهج تعليمهم وَأسسَ ثقافتهم ومعالم أدبهم على هَذِه

الصفحة 149