كتاب محب الدين الخطيب

الْمعرفَة وَالْإِيمَان بلوازمها وتعميم طريقهم نَحْو أهدافها. وَرَأس ذَلِك وعموده تَصْحِيح تَارِيخ الْعرُوبَة وَالْإِسْلَام وَتَجْرِيد مِمَّا دس فِيهِ. لقد كَانَ محب الدّين رَحمَه الله فخورا جدا بأمجاد الْإِسْلَام ومفاخر الْمُسلمين وَكَانَ يحزن كثيرا لبَقَاء بلك الأمجاد والمفاخر بعيدَة عَن أذهان الشَّبَاب الْمُسلم خَاصَّة وَالْمُسْلِمين عَامَّة, وَله فِي مجَال تخليد الأمجاد الإسلامية وإظهارها بثوبها القشيب اللَّائِق عمل عَظِيم لَا يجوز أَن يذكر محب الدّين إِلَّا وَيذكر مَعَه, هَذَا الْعَمَل الْعَظِيم هُوَ ديوَان مجد الْإِسْلَام للشاعر الْكَبِير أَحْمد محرم, وقصة هَذَا الدِّيوَان يلخصها محب الدّين رَحمَه الله فِي مُقَدّمَة الدِّيوَان بِمَا مضمونه بِاخْتِصَار: لقد كَانَ يقْرَأ فِي الْمدَارِس العثمانية شَيْئا من اللُّغَة الفارسية وآدابها من جملَة مقرراتها، وَكَانَ أستاذ تِلْكَ اللُّغَة يُبَالغ أمامهم فِي وصف (الشاهنامة) للفردوسي، وبيانها المنظوم المعجز, ويحدثهم عَن صَاحبهَا وَكَيف أَنه أحَاط بتاريخ الْفرس الْقَدِيم ثمَّ اتَّصل بِأحد مُلُوكهمْ فَأعْطَاهُ جنَاحا فِي قصره وكلفه بِأَن ينظم أمجاد الْفرس فَأَقَامَ فِي ذَلِك الْقصر ثَلَاثِينَ عَاما وَهُوَ ينظم الشّعْر الرائع فِي أمجاد فَارس حَتَّى بلغت الشاهنامة وَهِي الدِّيوَان الَّذِي وَضعه لذَلِك (سِتِّينَ ألف بَيت) . كَانَ يسمع محب الدّين ذَلِك وَيَقُول: "أَلَيْسَ فِي دنيا الْعرُوبَة وَالْإِسْلَام من يقوم للعروبة وَالْإِسْلَام بِمثل هَذَا الْعَمَل الأدبي الْكَبِير ليتعرف شبابنا إِلَى أكمل قومية برأها الله فِي الدَّهْر الأول وأعدها للْقِيَام بأكمل رسالات الله, أَيكُون للمجوسية وظلمات الظُّلم كتاب يخلدها وَلَا يكون للفطرة السليمة الْكَامِلَة ورسالة الله الْعُظْمَى من يدل عَلَيْهَا وَيدْفَع النَّاس فِي طريقها (أَلَيْسَ من الْعَار أَن يكون للْفرس الَّذين حفل تاريخهم زمن جاهليتهم بالشنائع ديوَان مفاخر يُغطي فِيهِ الْبَيَان على الْعُيُوب ويلون ذَا الوجهة مِنْهَا بألوان زاهية ويسلط على ضئيل الْخَيْر مِنْهَا شعاعا قَوِيا مكبرا بأعظم المكبرات فَتكون من ذَلِك (شاهنامة الفردوس) وَأَن يكون لليونان زمن وثنيتهم وأوهامهم لصبيانية ديوَان مفاخر كالإلياذة تتغنى بهَا الانسانية إِلَى يَوْم النَّاس هَذَا وَالْإِسْلَام الَّذِي لم تفتح الدُّنْيَا عينيها على أَعلَى مِنْهُ رُتْبَة, وَأعظم مِنْهُ محامد يجْتَهد مؤرخوه فِي تَشْوِيه صفحاته والحط من قدر رِجَاله". لقد بقيت هَذِه الفكرة تعْمل عَملهَا فِي نفس محب الدّين رَحمَه الله حَتَّى التقى بالشاعر أَحْمد شوقي رَحمَه الله وتحدث مَعَه عَن الشاهنامة والإلياذة واقترح على أَمِير الشُّعَرَاء أَن يكون اعظم أَحْدَاث امارته فِي الشّعْر إهداء مثل هَذِه الْهَدِيَّة إِلَى الْعرُوبَة وَالْإِسْلَام وأدبهما وعظمتهما من ماضيهما وحاضرهما ومستقبلهما (وَهَذَا كَلَامه) , واستمع شوقي إِلَى هَذَا الحَدِيث وَلم يعد وَلم يرفض ثمَّ

الصفحة 150