كتاب تعليم الإناث وتربيتهن

والكتابة آلة صالحة للاستعمال في الخير والشر معا.
وأما تعليم سورة النور فهو من أعظم ما أدب الله به المسلمات، وهو كنز عظيم، وذخر جسيم، ولكن ينبغي للفتاة أن لا تهجر غير هذه السورة من القرآن، وسبيل تعليم القرآن هو القراءة، والقراءة لا تنفع إلا بمعرفة المعنى، ومعرفة المعنى لا يمكن إلا بتعلم النحو والصرف واللغة، ولا بد لمن تتعلمه من القراءة والكتابة وأنتم منعتم ذلك, فهذا تناقض منكم وأنتم لا تشعرون.
يصيب وما يدري ويخطي وما درى ... وكيف يكون النوك إلا كذلكا
وأما تعليم المغزل فهو حسن، ولكن أهم منه في المدن على الأقل تدبير المنزل وتدبير الصحة والتمريض وما أشبه ذلك.
وأما قولكم إن الفتاة في هذا الزمان إذا كانت قارئة تصل إلى ذهنها أنواع الشر بقراءة صحف الخلاعة ومجلاتها، فهو صحيح! ولكن الجاهلة أيضا يصل إليها ذلك بالذهاب إلى السينما ولو خلسة في غيبة الرقيب وتصل إليها بطريق الراديو، ويصل إليها بطريق زائراتها ومحدثاتها، وإذا فسد الجو لم تنفع المعتزل عزلته.
فلو أنكم انتقدتم منهاج تعليم الفتاة وطالبتم بإصلاحه وإبداله بمنهاج كامل يضمن للفتاة التربية الصحيحة بدل إنكاركم للتعليم مرة لكان ذلكم أقرب إلى الصواب.
أما أهل المذهب المقابل فقد أفرطوا وتجازوا الحدود وضلوا ضلالا بعيدا ولا بد أن نناقشهم الحساب، ونبين ما في حملتهم من الحجج الواهية الداحضة، التي هي أوهن من بيت العنكبوت فنقول لهم: أما قولكم إن أمم العالم قسمان: أمم راقية سعيدة، وأخرى منحطة شقية فهو حق، وأما قولكم إن سعادة أولئك السعداء جاءتهم من أعمالهم وأحوالهم فهو صحيح أيضا، ولكنه مجمل يحتاج إلى تفصيل وبيان، وفي إجماله أمكنكم أن تدخلوا ما أدخلتموه من المغالطة، وبيان ذلك أولا أن الأمم الأوروبية تختلف اختلافا كثيرا يكفر من أجله بعضهم بعضا, حتى أن الكاثوليكي لا يقدر أن يتزوج بامرأة بروتستانتية، وإن تجرأ على ذلك عوقب من قبل الكنيسة بالحرمان وهو مصيبة اجتماعية عظيمة. ويختلفون في مناهج الحكم، حتى يفضي بهم ذلك أن يفني بعضهم بعضا بلا إبقاء ولا رحمة، ويختلفون في شؤون النساء فمنهم من يرى وجوب مراقبة الفتاة والمحافظة التامة عليها ومنهم من يطلق لها العنان

الصفحة 21