كتاب حجية السنة ودحض الشبهات التي تثار حولها

أنها مصدر من مصادر التشريع، ومنهم من أنكر حجية غير المتواتر منها، كما ظهر من ينكر منها ما لا يكون بيانا للقرآن أو مؤكدا له.
وأول من تعرض لدحض تلك الآراء الخبيثة الإمام الشافعي رحمه الله -فيما أعلم-، فقد ذكر في آخر كتاب ((الأم)) مناظرة جرت بينه وبين من ينسب إلى العلم بمذهب أصحابه ممن يردون الأخبار كلها، كما عقد في ((الرسالة)) بحثا مستفيضا أثبت فيه وجوب اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن طاعته مقرونة بطاعة الله، وبيّن كيف أجمع الصحابة وأهل العلم على العمل بخبر الواحد في مسائل كثيرة من أحكام الشريعة سردها رحمه الله سردا قويا مقنعا، ولم يبين الشافعي رحمه الله تعالى من هذه الطائفة التي ردت الأخبار كلها، ولا من هو الشخص الذي ناظره في ذلك، ورأي الشيخ الخضري رحمه الله أن الشافعي يعني بذلك المعتزلة، لأن الشافعي قد صرح بأن صاحب هذا المذهب منسوب إلى البصرة، وكانت البصرة آنذاك مركزا لحركة فلسفية كلامية، ومنها نبغت مذاهب المعتزلة، فقد نشأ بها كبارهم وكتابهم، وكانوا معروفين بمخاصمتهم لأهل الحديث، ودعم الخضري قوله بما تعرض له ابن قتيبة في كتابه ((تأويل مختلف الحديث)) من الرد على شيوخ المعتزلة فيما كانوا يطعنون به الصحابة وكبار التابعين.
وفي الحقيقة أن غارة شعواء شُنت في العصر الذي كتب فيه الشافعي رسالته أو قبل ذلك بقليل من المتكلمين على أهل السنة وأهل الحديث، وبالتالي على السنة التي يشتغلون بها ويدعون الناس إلى الاحتجاج بها، فقد كان غلاة المعتزلة يريدون تحكيم العقل وطرح نصوص السنة، ولكن الشافعي ناقشهم وأطال النقاش معهم حتى ألقمهم الحجر، ويتضح مما ذكره الشافعي من رأي منكري حجية السنة، ومما ذكره العلماء من آراء بعض شيوخ المعتزلة أنهم ينكرون حجيتها من حيث الشك في طريق ثبوتها وما يلحق رواتها من خطأ أو وهم، أو ما يندس بينهم من وضاعين وكذابين، لا أنهم

الصفحة 45