كتاب حجية السنة ودحض الشبهات التي تثار حولها

ينكرونها من حيث هي أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعال وتقريرات ثابتة عنه، فإن أي مسلم مهما كان لا يقول بذلك، وهذا في الحقيقة تستّر ماكر وراء تلك الشبهات التي يثيرونها حول صحة نسبة السنة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظنية ثبوتها على فرض صحتها، وأن الظني لا يمكن أن تبنى عليه أحكام شرعية.
وتتلخص شبهات من يرد غير المتواتر من السنة أو يرد السنة كلها كما حكاها الإمام الشافعي عنهم بما يلي:
أما من يرد غير المتواتر منها فيقول: إن خبر الواحد (أو خبر الآحاد) يفيد الظن بالنسبة لثبوته نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والظني الثبوت لا يجوز أن نبني عليه أحكام شرعية.
وقد رد عليهم الشافعي ببحث طويل مستفيض في ((الرسالة)) بما يقارب المائة صفحة، وفي بعض طبعات هذا الكتاب، وأتى بأدلة على حجية خبر الواحد، أقواها عمل الصحابة وإجماعهم على الأخذ بخبر الواحد والاحتجاج به حتى في الأمور العظيمة الخطيرة، وأتى بأمثلة كثيرة أسوق مثالا واحدا منها طلبا للاختصار، هذا المثال هو تحول أهل قباء وهم في صلاة الفجر من التوجه إلى بيت المقدس واستقبالهم بيت الله الحرام بخبر الواحد، وهذا ما قاله الشافعي في الرسالة، قال الشافعي: ((وأهل قباء أهل سابقة من الأنصار وفقه، وقد كانوا على قبلة فرض الله عليهم استقبالها، ولم يكن لهم أن يدعوا فرض الله في القبلة إلا بما تقوم عليهم الحجة، ولم يلقوا رسول الله ولم يسمعوا ما أنزل الله عليه في تحويل القبلة، فيكونون مستقبلين بكتاب الله وسنة نبيه سماعا من رسول الله ولا بخبر عامة، وانتقلوا بخبر الواحد إذ كان عندهم من أهل الصدق عن فرض كان عليهم فتركوه إلى ما أخبرهم عن النبي أنه أحدث عليهم من تحويل القبلة، ولم يكونوا ليفعلوه إن شاء الله بخبر الواحد إلا عن علم بأن الحجة تثبت بمثله، إذا كان من أهل الصدق … إلى آخر ما قال …)) 1.
__________
1 الرسالة للشافعي ص 406-407 طبعة مصطفى البابي الحلبي بتحقيق وشرح أحمد محمد شاكر.

الصفحة 46