كتاب الأسماء والصفات نقلا وعقلا

وصف بها الله أول ما يجب عليه أن يعتقد أنّ تلك الصفة بالغة من الجلال والكمال ما يقطع أوهام علائق المشابهة بينها وبين صفات المخلوقين فيكون أرض قلبه طيّبة طاهرة قابلة للإيمان بالصفات على أساس التنزيه على نحو: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .
وهنا سؤال لا بدّ من تحقيقه لطالب العلم أولاً: اعلموا أنّ المقرر في الأصول أنّ الكلام إن دلّ على معنى لا يحتمل غيره فهو المسمى نصاً كقوله مثلاً: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَة} ، فإذا كان يحتمل معنيين أو أكثر فلا يخلو من حالتين إمّا أن يكون أظهر في أحد الإحتمالين من الآخر وإمّا أن يتساوى بينهما فإن كان الإحتمال يتساوى بينهما فهذا الذي يسمى في الإصطلاح المجمل كما لو قلت: (عدا اللصوص البارحة على عين زيد) فإنه يحتمل أن تكون عينه الباصرة عوروها أو عينه الجارية غوروها أو عين ذهبه وفضته سرقوها فهذا مجمل. وحكم المجمل أن يتوقف عنه إلاّ بدليل على التفصيل. أمّا إذا كان نصاً صريحاً فالنص يعمل به ولا يعدل عنه إلاّ بثبوت النسخ.
فإذا كان أظهر في أحد الإحتمالين فهو المسمّى بالظاهر، ومقابله يسمّى (محتملاً مرجوحاً) والظاهر يجب الحمل عليه إلاّ لدليل صارف عنه كما لو قلت: رأيت أسداً فهذا مثلاً ظاهر في الحيوان المفترس، محتمل في الرجل الشجاع، وإذاً فنقول: فالظاهر المتبادر من آيات الصفات من نحو قوله: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِم} . وما جرى مجرى ذلك، هل نقول الظاهر المتبادر من هذه الصفة هو مشابهة الخلق حتى يجب علينا أن نقول ونصرف اللفظ عن ظاهره أو ظاهرها المتبادر منها تنزيه ربّ السموات والأرض حتى يجب علينا أن نقره على الظاهر من التنزيه.
الجواب: أن كل وصف أسند إلى ربّ السموات والأرض فظاهره المتبادر منه عند كل مسلم هو التنزيه الكامل عن مشابهة الخلق فإقراره عن ظاهره هو الحق وهو تنزيه ربّ السموات والأرض عن مشابهة الخلق في شيء من صفاته فهل ينكر عاقل أن المتبادر للأذهان السليمة أنّ الخالق ينافي المخلوق في ذاته وسائر صفاته

الصفحة 25