كتاب محاسن الشريعة ومساويء القوانين الوضعية
أما النَّوْع والمرتبة: فَقَالَ كل من ابْن قدامَة فِي الْمُغنِي1 وَالْقَاضِي أَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ أَنه يجوز للْوَلِيّ أَن يولي القَاضِي ولَايَة عَامَّة فِي عُمُوم الْحُقُوق فتعم من حَيْثُ الزَّمَان وَالْمَكَان والأقضية. أَو عَامَّة فِي خَاص أَي عُمُوم الْأَقْضِيَة فِي خُصُوص بَلْدَة. أَو خَاصَّة فِي خَاص أَي فِي نوع من الْأَقْضِيَة فِي بَلْدَة وَله أَن يحدد مبلغا لَا يتعداه. وَفِي الْمُوَطَّأ لمَالِك: أَنه مرّ بقاضي السُّوق فَقَالَ لَهُ: لَا تكْثر لِئَلَّا تخطئ. فَكَانَ للسوق قَاض. وَقَالَ عبد الله الزبيرِي لم تزل الْأُمَرَاء عندنَا بِالْبَصْرَةِ بُرْهَة من الدَّهْر يستقضون قَاضِيا على الْمَسْجِد الْجَامِع يسمونه قَاضِي الْمَسْجِد يحكم فِي مِائَتي دِرْهَم وَفِي عشْرين دِينَارا فَمَا دونهَا وتفرض النَّفَقَات وَلَا يتَعَدَّى مَوْضِعه وَلَا مَا قدره لَهُ.
سلم المحاكم: وَهُوَ مَا يعرف بالتقسيم الحالي: محكمَة مستعجلة وَأُخْرَى كبرى ثمَّ اسْتِئْنَاف. فَهُوَ نوع من التَّخْصِيص وَزِيَادَة فِي مَوْضُوع الِاسْتِئْنَاف. فقد وجدنَا من يَنْفِي وجوده فِي تَارِيخ الْقَضَاء الإسلامي. وَالْحق أَنه مَوْجُود بِأَصْلِهِ فِي زمن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ ذَلِك فِي قَضِيَّة عرضت على عَليّ رَضِي الله عَنهُ بِالْيمن وَهِي كَمَا سَاقهَا وَكِيع وفيهَا عَن أَحْمد فِي قَضَاء عَليّ عَنهُ قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْيمن فأزي النَّاس زيية الْأسد فَأَصْبحُوا ينظرُونَ إِلَيْهِ وَقد وَقع فِيهَا فتدافعوا حول الزيية فَخر فِيهَا رجل فَتعلق بِالَّذِي يَلِيهِ. وَتعلق آخر بآخر حَتَّى خر فِيهَا أَرْبَعَة. فجرحهم الْأسد فتناوله رجل بِرُمْح فطعنه وَأخرج الْقَوْم مِنْهَا. فماتوا كلهم. فَقَالَت قبائل الثَّلَاثَة لقبيلة الأول: هاتوا دِيَة الثَّلَاثَة فَإِنَّهُ لَوْلَا صَاحبكُم لم يسقطوا فَقَالُوا: إِنَّمَا تعلق صاحبنا بِوَاحِد فَنحْن نُؤَدِّي دِيَة وَاحِد فَاخْتَلَفُوا حَتَّى أَرَادوا الْقِتَال بَينهم فسر رجل مِنْهُم إليّ وهم غير بعيد مني فأتيتهم فَقلت لَهُم: تُرِيدُونَ أَن تقتلُوا أَنفسكُم
الصفحة 31
144