كتاب محاسن الشريعة ومساويء القوانين الوضعية
وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيّ وَأَنا إِلَى جنبكم إِنِّي قَاض بَيْنكُم بِقَضَاء فَإِن رضيتموه فَهُوَ نَافِذ بَيْنكُم وَإِن لم ترضوه فَهُوَ حاجز بَيْنكُم فَمن جاوزه فَلَا حق لَهُ حَتَّى يَأْتِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ أعلم بِالْقضَاءِ مني فرضوا بذلك فَأَمرهمْ أَن يجمعوا دِيَة كَامِلَة مِمَّن حَضَرُوا الْبِئْر وَنصف دِيَة وَثلث دِيَة. وَربع دِيَة، فَقضى أَن يُعْطي الْأَسْفَل ربع الدِّيَة. من أجل أَنه هلك فَوْقه ثَلَاثَة. وَيُعْطِي الَّذِي يَلِيهِ الثُّلُث من أجل أَنه هلك فَوق اثْنَان وَيُعْطِي الَّذِي يَلِيهِ النّصْف من أجل أَنه هلك فَوْقه وَاحِد. وَيُعْطِي الْأَعْلَى الدِّيَة كَامِلَة لِأَنَّهُ لم يهْلك فَوْقه أحد.
فَمنهمْ من رَضِي وَمِنْهُم من كره، فَقَالَ تمسكوا بقضائي حَتَّى تَأْتُوا رَسُول اله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَوْسِمِ فَيَقْضِي بَيْنكُم فَوَافَقُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد مقَام إِبْرَاهِيم فَسَارُوا إِلَيْهِ فحدثوه بِحَدِيثِهِمْ. وَهُوَ محتب بِبرد عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنِّي أَقْْضِي بَيْنكُم إِن شَاءَ الله. فَقَالَ رجل من أقْصَى الْقَوْم: إِن عَليّ ابْن أبي طَالب قد قضى بَيْننَا قَضَاء بِالْيمن، فَقَالَ: وَمَا هُوَ؟ فقصوا عَلَيْهِ الْقِصَّة، فَأجَاز رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْقَضَاء كَمَا قضى عَليّ بَينهم.
فَفِي هَذِه الْقِصَّة يتَحَقَّق معنى الِاسْتِئْنَاف الْمَعْرُوف حاليا أَو التَّمْيِيز الَّذِي هُوَ عبارَة عَن رفع الْقَضِيَّة بعد صُدُور الحكم الأول فِيهَا إِلَى جِهَة أَعلَى مِنْهَا للنَّظَر فِي سَيرهَا ومطابقة حكمهَا لواقعها. لِأَن عليا رَضِي الله عَنهُ قَالَ: فَإِن رَضِيتُمْ فقضائي وَإِلَّا فَهُوَ حاجز بَيْنكُم حَتَّى تَأْتُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ أعلم بِالْقضَاءِ مني. فَرضِي الْبَعْض وَلم يرض الْبَعْض الآخر. وَهَذَا هُوَ عين مَا يعرف بتقرير عدم القناعة ثمَّ رفع الْقَضِيَّة بِتَمَامِهَا، وَمن جِهَة أُخْرَى فقد تقرر مبدأ عدم نظر الْقَضِيَّة إِذا كَانَت نظرت من قَاض آخر لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما سمع الْقَائِل يَقُول: قضى فِيهَا عَليّ بِنَا بِالْيمن توقف عَن الْقَضَاء
الصفحة 32
144