كتاب محاسن الشريعة ومساويء القوانين الوضعية

تطور الْأَمر: أما بعد أَن تطاول الزَّمن وَتغَير النَّاس وتداخلت الْحُقُوق والتبست الْأُمُور. وغلبت الْأَهْوَاء. وسنحت النُّفُوس. وَظهر الْإِنْكَار تَغَيَّرت الأوضاع فِي شكلية الْقَضَاء وتطلب الْحَال تطورا وضبطا وسجلات وكبتا وَقد بَدَأَ شَيْء من ذَلِك فِي زمن عمر. فقد كَانَ يرى أَن الْمُسلمين كلهم عُدُولًا على بعض وَكتب إِلَى أبي مُوسَى فِي ذَلِك حَتَّى أَتَاهُ رجل من الْعرَاق وَقَالَ لَهُ جئْتُك فِي أَمر لَا رَأس لَهُ وَلَا وذنبا شَهَادَة الزُّور ظَهرت فِي بلدنا.
فَقَالَ عمر: أَو حدث ذَلِك وَالله لَا يرْهن مُسلم إِلَّا بشاهدي عدل فَنَشَأَتْ تَزْكِيَة الشُّهُود لمجهول الْحَال. فَكَانَ عمر ينظر إِلَى النَّاس كأصحاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا تغيرُوا غير الْوَضع بِمَا يضمن الْمصلحَة ويحقق الْعَدَالَة.
الْكَاتِب والضبط: وَقد كَانَ بعد الْخُلَفَاء للْقَاضِي كَاتب وَضبط وقمطر. وَكَانَ يعين لَهُ مجْلِس وزمن أَو يخْتَار بَيته أَو الْمَسْجِد وَنَصّ الْخُلَفَاء على تَرْتِيب الْخُصُوم الأول فَالْأول.
ثمَّ خصصت دور للْقَضَاء وَالْحكم سميت بالمحاكم ونظمت مواعيد الجلسات وزمن حُضُور الْخُصُوم وَغير ذَلِك وكل ذَلِك من تطور شكل الْقَضَاء مَعَ تطور أَحْوَال النَّاس. وأقضياتهم. والجدير بالتنبيه عَلَيْهِ هُوَ أَن الْإِسْلَام لَا يمانع من أَي تطور يُحَقّق الْمصلحَة وَلَا يتعارض مَعَ نَص من كتاب أَو سنة وَقد أوجد زمن عمر ديوَان الْجند لحصرهم وترتيب أعطياهم وَجمع الْقُرْآن فِي الصُّحُف وَكتب الْمُصحف… الخ. كَمَا اتخذ السجْن وَنَحْوه لما فِيهِ مصلحَة الْأمة.
وبهذه الْمُنَاسبَة فَإِن الْقَضَاء فِي هَذِه المملكة وَهُوَ قَضَاء شَرْعِي فِي منهجه يعْتَبر مثاليا فِي شكله وَصورته ونظامه من ضبط واختصاص وَمَا يتَعَلَّق بذلك. وَمَا ينْتج عَنهُ من سرعَة إنجاز وفسحه ومعارضته. ويلاحظ لَو نَظرنَا إِلَى شكوى بعض رُؤَسَاء الدول الْمُجَاورَة عَن كَثْرَة القضايا وَقلة الْقَضَاء وَعدم الإنجاز.

الصفحة 35