كتاب سبع مسائل في علم الخلاف

وَأما مَا وَقع من تفرق المقلدين فِي العصور الْمُتَأَخِّرَة الَّتِي هِيَ عصور الانحطاط فَإِنَّهُ لَا يعيب أصل مَا ذهب إِلَيْهِ أُولَئِكَ الْأَئِمَّة المرضيون من الِاخْتِلَاف إِنَّمَا يَقع الْعَيْب فِيهِ على هَؤُلَاءِ الأتباع الجهلة المتعصبين..
فَإِن اخْتِلَاف الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّة المرضيين وَمِنْهُم الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَاقع كُله ضمن حمى الشَّرْع وداخل أسواره، وَإِنَّمَا خرج عَن ذَلِك الْحَد إِلَى خَارج أسوار الْإِسْلَام أَمْثَال الْخَوَارِج وَالرَّوَافِض والجهمية وأشباههم مِمَّن تكلمُوا بالشبه فِي ـ قطعيات ـ الدّين.
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة:
عُلَمَاء الْإِسْلَام المرضيون عَلَيْهِم رَحْمَة الله ورضوانه من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعيهم فِي كل عصر لَا يَخْتَلِفُونَ إِلَّا بِدَلِيل أَو تَأْوِيل، وَلَا يتَصَوَّر أَن أحدا مِنْهُم يُخَالف النَّص مُعْتَمدًا أَو بِغَيْر دَلِيل.
وأخص بِالذكر الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة: أَبَا حنيفَة ومالكاً وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لشهرتهم فِي هَذَا المجال وانتشار مذاهبهم فِي الدُّنْيَا.
فَكل من لَهُ علم وتتبع أَقْوَالهم وفتاويهم وَتَأمل استدلالهم وأصولهم العلمية يجد مصداق ذَلِك.
وَمَا طعن فِي وَاحِد مِنْهُم طَاعن إِلَّا عَن عصبية أَو جهل بقدرهم، إِذْ قد يتَبَادَر إِلَى ذهن الْقَاصِر عِنْدَمَا يرى كَثْرَة اخْتلَافهمْ ويعظم عَلَيْهِ ذَلِك وَلَا يتحمله ذكاؤه، إِذْ ينظر إِلَى ظَاهر هَذَا الِاخْتِلَاف دون أَن يُكَلف نَفسه الغوص بنظره وفكره فِي الْوُجُوه الَّتِي بنوا عَلَيْهَا أَقْوَالهم فيتبادر إِلَى ذهنه أَنهم يصادمون النَّص.
قَالَ شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية فِي رفع الملام1: "الْأَئِمَّة المقبولون الْمجمع

الصفحة 74