كتاب سبع مسائل في علم الخلاف

بالفقه مَعَ شهرتهم فِي علم الحَدِيث وَرِوَايَته، وشأن الْعلمَاء المنصفين الِاعْتِرَاف لأهل كل اخْتِصَاص باختصاصهم فَهَذَا الشَّافِعِي رَحمَه الله يبين هَذِه الاختصاصات فَيَقُول1: "من أَرَادَ أَن يتبحر فِي الْفِقْه فَهُوَ عِيَال على أبي حنيفَة كَانَ أَبُو حنيفَة مِمَّن وفْق لَهُ الْفِقْه، وَمن أَرَادَ أَن يتبحر فِي الشّعْر فَهُوَ عِيَال على زُهَيْر بن أبي سلمى، وَمن أَرَادَ أَن يتبحر فِي الْمَغَازِي فَهُوَ عِيَال على مُحَمَّد بن إِسْحَاق، وَمن أرد أَن يتبحر فِي النَّحْو فَهُوَ عِيَال على الْكسَائي، وَمن أَرَادَ أَن يتبحر فِي التَّفْسِير فَهُوَ عِيَال على مقَاتل بن سُلَيْمَان". اهـ.
وَقَالَ ابْن الْمَاجشون: "كَانُوا يَقُولُونَ لَا يكون إِمَامًا فِي الْفِقْه من لم يكن إِمَامًا فِي الْقُرْآن والْآثَار وَلَا يكون إِمَامًا فِي الْآثَار من لم يكن إِمَامًا فِي الْفِقْه. فَانْظُر كَيفَ توهم قوم بعد ذَلِك أَن الِاشْتِغَال بالرواية يَكْفِي لمعْرِفَة الْأَحْكَام وَكَيف فصلوا بَين الْفِقْه والأثر".
يجب على المتعلم مَعَ الِاشْتِغَال بِالْحَدِيثِ وَالرِّوَايَة أَن يعرف مَذَاهِب الْفُقَهَاء وَاخْتِلَافهمْ حَتَّى يكْسب ملكة الاستنباط..
قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "رب حَامِل فقه غير فَقِيه، وَرب حَامِل فقه إِلَى من هُوَ أفقه مِنْهُ". فَبين بذلك أَن الحَدِيث فقه وَأَن مُجَرّد حمله لَا يَعْنِي كَون حامله فَقِيها..
وَالنَّاس يتفاوتون فِي الْفِقْه نتيجة لاختلافهم فِي الأفهام، وَالْفِقْه هُوَ الْفَهم فبعض الْأَئِمَّة فِي الْجُمْلَة أفقه من بعض وَبَعْضهمْ فِي مَسْأَلَة أفقه من بعض وَمن أفقه الْأَئِمَّة أَبُو حنيفَة إِن لم يكن أفقههم، رُوِيَ عَن ابْن الْمُبَارك قَوْله: "إِن كَانَ الْأَثر قد عرف واحتيج إِلَى الرَّأْي فرأي مَالك وسُفْيَان الثَّوْريّ وَأبي حنيفَة. وَأَبُو حنيفَة أحْسنهم وأدقهم فطنة وأغوصهم على الْفِقْه وَهُوَ أفقه الثَّلَاثَة"2. وَإِلَيْك مِثَالا يبين لَك كَيْفيَّة تفَاوت الْفُقَهَاء فِي فهم الْمَسْأَلَة الْوَاحِدَة:
__________
1 الانتقاء لِابْنِ عبد الْبر: 31.
2 تَارِيخ بَغْدَاد 3 ـ 343.

الصفحة 79