كتاب مع صاحب الفضيلة والدنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله
علما بِأَن كلمة شنقيط كَانَت وَلَا تزَال اسْما لقرية من أَعمال مديرية أطار فِي أقْصَى موريتانيا فِي الشمَال الغربي.
نشأته رَحمَه الله: وَقبل الحَدِيث عَن نشأته يحسن إيجاز نبذة عَن البيئة فِي تِلْكَ الْبِلَاد:
تعْتَبر الْحَيَاة الاجتماعية فِي تِلْكَ الْبِلَاد بِحَسب المواطنين قسمَيْنِ عرب وعجم والعربية لُغَة الْجَمِيع، أما الْعَمَل فالعجم أَكثر أَعْمَالهم الزِّرَاعَة والصناعة وسلالتهم من الزنوج.
وَأما الْعَرَب فقسمان: طلبة وَغير الطّلبَة، والطلبة من يغلب عَلَيْهِم طلب الْعلم وَالتِّجَارَة وَغَيرهم من يغلب عَلَيْهِم التِّجَارَة والإغارة. وهم قبائل عدَّة وَمن الْقَبَائِل من يغلب عَلَيْهَا الطّلب وَمِنْهَا من يغلب عَلَيْهَا الإغارة والقتال.
وقبيلة الجكنيين خَاصَّة قد جمعت بَين طلب الْعلم وفروسية الْقِتَال مَعَ عفة عَن أَمْوَال النَّاس، وَفِي هَذَا الجو كَانَ طلب الْعلم على قدم وسَاق سَوَاء فِي حلهم أَو ترحالهم كَمَا قَالَ بعض مشايخهم الْعَلامَة الْمُخْتَار بن بونا:
وَنحن ركب من الْأَشْرَاف مُنْتَظم. ... أجل ذَا الْعَصْر قدرا دون أدنانا
قد اتخذنا ظُهُور العيس مدرسة ... بهَا نبين دين الله تبيانا
أما كرم الطَّبْع فَهَذَا سجية فِي جَمِيعهم وَأمر يشب فِيهِ الصَّغِير ويشيب عَلَيْهِ الْكَبِير، وَقد ألفوا الضَّيْف لنجعة مَنَازِلهمْ وَمن عاداتهم إِذا نزل وَفد على بَيت فَإِن أهل هَذَا الْمنزل يرسلون لأهل بَيت المضيف مِمَّا عِنْدهم قل أَو كثر مُشَاركَة فِي قرى الضَّيْف وتعاوناً مَعَ المضيف حَتَّى لَو كَانَ معدماً غَدا واجداً ويرحل الْوَفْد وَهُوَ فِي غَايَة الرِّضَا. وَهَكَذَا دواليك.
وَفِي هَذَا الجو وَتلك البيئة نَشأ رَحمَه الله كَمَا سمعته يَقُول: "توفّي وَالِدي وَأَنا صَغِير أَقرَأ فِي جُزْء عمّ وَترك لي ثروة من الْحَيَوَان وَالْمَال، وَكَانَت سكناي
الصفحة 30
194