كتاب مع صاحب الفضيلة والدنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله
أَعماله فِي الْبِلَاد:
كَانَت أَعماله رَحمَه الله كعمل أَمْثَاله من الْعلمَاء: الدَّرْس والفتيا وَلكنه كَانَ قد اشْتهر بِالْقضَاءِ وبالفراسة فِيهِ وَرَغمَ وجود الْحَاكِم الفرنسي إِلَّا أَن المواطنين كَانُوا عظيمي الثِّقَة فِيهِ فيأتونه للْقَضَاء بَينهم ويفدون إِلَيْهِ من أَمَاكِن بعيدَة أَو حَيْثُ يكون نازلاً.
طَرِيقَته فِي الْقَضَاء:
كَانَ إِذا أَتَى إِلَيْهِ الطرفان استكتبهما رغبتهما فِي التقاضي إِلَيْهِ وقبولهما مَا يقْضِي بِهِ ثمَّ يسْتَكْتب الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ جَوَاب الْمُدَّعِي عَلَيْهِ أَسْفَل كِتَابَة الدَّعْوَى وَيكْتب الحكم مَعَ الدَّعْوَى والإجابة وَيَقُول لَهما اذْهَبَا بهَا إِلَى من شئتما من الْمَشَايِخ أَو الْحُكَّام، أما الْمَشَايِخ فَلَا يَأْتِي أحدهم قَضِيَّة قَضَاهَا إِلَّا صدقُوا عَلَيْهَا، وَأما الْحُكَّام فَلَا تصلهم قَضِيَّة حكم فِيهَا إِلَّا نفذوا حكمه حَالا، وَكَانَ يقْضِي فِي كل شَيْء إِلَّا فِي الدِّمَاء وَالْحُدُود، وَكَانَ للدماء قَضَاء خَاص.
قَضَاء الدِّمَاء:
كَانَ الْحَاكِم الفرنسي فِي الْبِلَاد يقْضِي بِالْقصاصِ فِي الْقَتْل بعد محاكمة ومرافعة وَاسِعَة النطاق وَبعد تمحيص الْقَضِيَّة وإنهاء المرافعة وصدور الحكم يعرض على عَالمين جليلين من عُلَمَاء الْبِلَاد ليصادقوا عَلَيْهِ ويسمي العلمين لجنة الدِّمَاء وَلَا ينفذ حكم الإعدام فِي الْقصاص إِلَّا بعد مصادقتهما عَلَيْهِ. وَقد كَانَ رَحمَه الله أحد أَعْضَاء هَذِه اللجنة وَلم يخرج من بِلَاده حَتَّى علا قدره وَعظم تَقْدِيره وَكَانَ علما من أعلامها وَمَوْضِع ثِقَة أَهلهَا وحكامها ومحكومها.
خُرُوجه من بِلَاده رَحمَه الله:
كَانَ خُرُوجه من بِلَاده لأَدَاء فَرِيضَة الْحَج وعَلى نِيَّة العودة وَكَانَ سَفَره برا كتب فِيهِ رحْلَة ضمنهَا مبَاحث جليلة كَانَ آخرهَا مَبْحَث القضايا الموجهة فِي الْمنطق مَعَ عُلَمَاء أم درمان بالمعهد العلمي بالسودان.
وَبعد وُصُوله إِلَى هَذِه الْبِلَاد تَجَدَّدَتْ نِيَّة بَقَائِهِ، وَلَعَلَّ من الْخَيْر وَبَيَان الْوَاقِع ذكر سَبَب بَقَائِهِ: لقد كَانَ فِي بِلَاده كَغَيْرِهِ يسمع الدعاية ضد هَذِه الْبِلَاد باسم الوهابية إِلَّا أَن بعض الصدف قد تغير من وجهات النّظر (وَإِذا أَرَادَ الله
الصفحة 39
194