كتاب مع صاحب الفضيلة والدنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله
وَالْوَاقِع أَن الدُّنْيَا لم تكن تَسَاوِي عِنْده شَيْئا فَلم يكن يهتم لَهَا. ومنذ وجوده فِي المملكة وصلته بالحكومة حَتَّى فَارق الدُّنْيَا لم يطْلب عَطاء وَلَا مُرَتبا وَلَا ترفيعاً لمرتبه وَلَا حصولاً على مُكَافَأَة أَو علاوة. وَلَكِن مَا جَاءَهُ من غير سُؤال أَخذه وَمَا حصل عَلَيْهِ لم يكن ليستبقيه بل يوزعه فِي حِينه على المعوزين من أرامل ومنقطعين وَكنت أتولى توزيعه وإرساله من الرياض إِلَى كل من مَكَّة وَالْمَدينَة. وَمَات وَلم يخلف درهما وَلَا دِينَارا وَكَانَ مستغنياً بعفته وقناعته. بل إِن حَقه الْخَاص ليتركه تعففاً عَنهُ كَمَا فعل فِي مؤلفاته وَهِي فريدة فينوعها. لم يقبل التكسب بهَا وَتركهَا لطلبة الْعلم.
وسمعته يَقُول: لقد جِئْت معي من الْبِلَاد بكنز عَظِيم يَكْفِينِي مدى الْحَيَاة وأخشى عَلَيْهِ الضّيَاع. فَقلت لَهُ وَمَا هُوَ قَالَ القناعة. وَكَانَ شعاره فِي ذَلِك قَول الشَّاعِر:
الْجُوع يطرد بالرغيف الْيَابِس ... فعلام تكْثر حسرتي ووساوسي
وَكَانَ اهتمامه بِالْعلمِ وبالعلم وَحده وكل الْعُلُوم عِنْده آلَة ووسيلة وَعلم الْكتاب وَحده غَايَة وَكَانَ كثيرا مَا يتَمَثَّل بِأَبْيَات الأديب مُحَمَّد بن حَنْبَل الْحسن الشنقيطي رَحمَه الله فِي قَوْله:
لَا تسوء بِالْعلمِ ظنا يَا فَتى ... إِن سوء الظَّن بِالْعلمِ عطب
لَا يزهدك أحد فِي الْعلم أَن ... غمر الْجُهَّال أَرْبَاب الْأَدَب
إِن تَرَ الْعَالم نضوا مرملا ... صفر كف لم يساعده سَبَب
وَترى الْجَاهِل فد حَاز الْغنى ... مُحرز المأمول من كل أرب
قد تجوع الْأسد فِي أجامها ... والذئاب الغبش تعتام القتب
جرع النَّفس على تَحْصِيله ... مضض المرين ذل وسغب
لَا يهاب الشوك قطاف الجنى ... وإبار النَّحْل مشتار الضَّرْب
حَقًا إِنَّه لم يسئ بِالْعلمِ ظنا وَلم يهب فِي تَحْصِيله شوك النّخل وَلَا إبار النَّحْل
الصفحة 55
194