كتاب الإنصاف في حكم الإعتكاف

وههنا قول ثالث، وهو التفصيل: بأنَّه سُنَّة مؤكَّدة في العَشْر الأواخر من رمضان، ويكون واجبًا بالنذر بلسانه (1)، ولا يكفي مجرَّد النيَّة، وبالشُّروع (2)، وبالتعليق (3)، Q= ثم يدخُلُه، فاستأذنَتْ حفصةُ عائشةَ أن تضربَ خِباءَ، فَأَذِنَتْ لها فَضَرَبَتْ خِباءً، فلما رَأَتْهُ زينبُ بنتُ جحش ضَرَبَت خِباءً آخر، فلما أصبحَ النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى الأَخْبيَة، فقال: مَا هَذا؟ فأُخبر.
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "آلبرَّ تَرَوْن (¬18) بهنّ، فتركَ الاعتكافَ ذلك الشَّهرَ، ثم اعتكفَ عشرًا من شوّال" (¬19).
قال الحافظ في "الفتح": وفي اعتكافه في شَوَّال دَليلٌ على أنَّ النوافِلَ المعتادة إذا فاتَتْ تُقْضَى استحبابًا، واستدلَّ به المالكية على وجوبِ قضاءِ العملِ لمنْ شَرَع فيه ثم أبطله، ولا دلالة فيه لما سيأتي" (¬20).
(1) قوله (بالنَّذر بلسانه): كقوله: لله عَليَّ أن أعتكفَ ثلاثةَ أيام مثلًا.
(2) قوله (وبالشُّروع): عطفٌ على قوله بالنَّذْر، ولكنَّه ضعيف، حيث قال الحَصْكَفيُّ وغيره: فلو شَرَع في نفله ثمَّ تركَهُ لا يلزمه قضاؤه على الظاهر، وما في بعض المعتَبَرات: أنَّه يلزم بالشُّروع مفرَّع على القول الضعيف (¬21).
(3) قوله (وبالتعليق): عطفٌ على قوله: بالنَّذْر، وهذا يقتضي أنَّ صورة التعليق ليست بنذر؛ لأنَّ العطفَ يقتضي المغايرة مع أنَّها نذر، فالأَوْلى أن يقول: واجبٌ =
¬__________
(¬18) في سنن أبي داود (2456)، والنسائي (709): "آلْبرَّ تُردْنَ"، قال السندي في حاشيته على النسائي 2: 45: "بمد الهمزة مثل: {آللهُ أَذِنَ لَكُمْ}، والاستفهام للإِنكار، و"آلبرَّ" بالنصب مفعول "يُرِدْنَ"، أي: ما أرَدْنَ البر وإنما أرَدْنَ قضاءَ مقتضى الغَيْرة، والله تعالى أعلم.
(¬19) أخرجه البخاري في كتاب الاعتكاف، باب اعتكاف النساء 4: 275 (2033).
(¬20) فتح الباري 4: 276 - 277.
(¬21) الدر المختار 2: 444، وهو وإن لم يلزمه القضاءُ لكن يُستحبُّ له، وهناك قول آخر عن الحنفية: أنه يقضي المسنون المؤكَّد وهو العشر الأواخر دون غيرها. حاشية ابن عابدين 2: 445.

الصفحة 23