كتاب حكم الإسلام فيمن زعم أن القرآن متناقض
فنقول: أما قوله: إن القرآن متناقض، فهذا من أقبح المنكرات، ومن الكفر الصريح - كما سبق بيانه - لأنه تنقص للقرآن، وسب له، لأن السب هو التنقص للمسبوب ووصفه بما لا يليق، وقد بينا - فيما مضى بالأدلة القاطعة - أن القرآن بريء من ذلك، وأنه، بحمد الله، في غاية الإحكام والإتقان، كما قال الله سبحانه، {ِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِير} وقال: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عزُيزٌ لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} وقال - عز وجل -: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} إلى غير ذلك من الآيات السابقات الدالة على إحكامه وإتقانه، وأنه أحسن الحديث، وأحسن القصص، وتقدم ذكر إجماع العلماء على ذلك، وعلى كفر من تنقصه أو جحد شيئا منه، أما الآيتان المذكورتان وما جاء في معناهما من الآيات الدالة على إثبات القدر، وعلى تعليق المسببات بأسبابها فليس بينها تناقض، وإنما أتى من زعم ذلك من جهة فساد فهمه، ونقص علمه، كما قال الشاعر:
وكم من عائب قولاً صحيحاً ... وآفته من الفهم السقيم
وقد أجمع، كل من لديه علم وإنصاف وبصيرة باللغة العربية من علماء الإسلام، وخصومه، أن كتاب الله في غاية من الإحكام والإتقان، وأنه خير كتاب وأفضل كتاب، وأنه لم ينزل كتاب أفضل منه، لما اشتمل عليه من العلوم النافعة والأحكام العادلة، والأخبار الصادقة، والشرائع القويمة، والأسلوب البليغ المقنع، كما قال الله سبحانه: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} أي صدقا في الأخبار، وعدلا في الشرائع والأحكام، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} الآية.. قال العلماء: الهدى: هو ما فيه من العلوم النافعة والأخبار الصادقة، ودين الحق: هو ما فيه من الشرائع القويمة والأحكام الرشيدة، إذا علم هذا فالجمع بين الآيتين المذكورتين وما جاء في معناهما هو أن الله، سبحانه، قد قدّر مقادير الخلائق، وعلم ما مهم عاملون، وقدر أرزاقهم وآجالهم، وكتب ذلك كله لديه، كما قال تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} الآية، وقال سبحانه: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي
الصفحة 19
204