كتاب حكم الإسلام فيمن زعم أن القرآن متناقض
منهم من الأسباب، مسبباتها وموجباتها، فالمؤمن، عند المصيبة، يفزع إلى القدر فيطمئن قلبه، وترتاح نفسه به لإيمانه بأن الله سبحانه، قد قدر كل شيء، وأنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، ويحارب الهموم والغموم والأوهام، ويصبر ويحتسب رجاء ما وعد الله به الصابرين بقوله سبحانه: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} ، ولا يمنعه ذلك من الأخذ بالأسباب والقيام بما أوجب الله عليه، وتركه ما حرم الله عليه عملاً بقول الله عز وجل: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} الآية.. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن، فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن {لو} تفتح عمل الشيطان" خرجه مسلم في صحيحه، وبذلك يستحق المدح والثناء والثواب العاجل والآجل، على أعماله الطيبة وأخذه بالأسباب النافعة، وابتعاده عن كل ما يضره ويستحق الذم والوعيد، وأنواع العقوبات، في الدنيا والآخرة، على ما يفعله من المعاصي والمخالفات، وعلى تفريطه في الأخذ بالأسباب وعدم إعداده لعدوه ما يستطيع من القوة، وقد جرت سنة الله في عباده أنهم إذا استقاموا على دينه وتباعدوا عن أسباب غضبه، وجاهدوا في سبيله، أنه ينصرهم على عدوهم، ويجمع كلمتهم ويجعل لهم العاقبة الحميدة، كما قال، سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} ، وقال سبحانه: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} ، وقال عز وجل: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} ، وقال سبحانه: {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} أما إذا ضيعوا أمره وتابعوا الأهواء واختلفوا بينهم، فإن الله سبحانه، يغير ما بهم، من عز واجتماع كلمة، ويسلط عليهم الأعداء، ويصيبهم بأنواع العقوبات من القتل والخوف ونقص الأموال والأنفس والثمرات، وغير ذلك جزاءاً وفاقاً وما ربك بظلام للعبيد، وهذا هو معنى قوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا
الصفحة 22
204