كتاب حكم الإسلام فيمن زعم أن القرآن متناقض

والعمل والشرطة وغير ذلك، فليس أمراً جائزاً على إطلاقه، بل فيه تفصيل، وهو أنه لا يجوز لها ذلك إلا في حدود الشريعة حيث تأمن على نفسها وعرضها وتتمكن من الحجاب الشرعي وحيث تسلم من خلوة الرجل الأجنبي بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم - "ماخلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما" ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر امرأة إلا مع ذي محرم"، ولأن الله سبحانه قد جعل الرجال قوّامين على النساء بما فضلهم الله به عليهن في الخَلق والخُلق والعقل - كما تقدم - ولما ينفقونه من الأموال عليهن، كما قال سبحانه: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} الآية، فأطلق - سبحانه - في هذه الآية قيام الرجال على النساء، ولم يخص ذلك بوقت دون وقت، وهو سبحانه يعلم ما يكون في آخر الزمان، فلو كان الحكم يتغير لبّين ذلك سبحانه، ولم يهمله أو لبيّنه رسوله - صلى الله عليه وسلم - في سنته فلمّا لم يقع شيء من ذلك علم أن قيام الرجال على النساء حكم مستمر إلى يوم القيامة، وقد علم كل من له أدنى بصيرة بأحوال العالم الحاضر، ما قد ترتب على اختلاط المرأة بالرجل، في المدرسة والمعمل وغيرهما، من الفساد الكبير، والشر العظيم، والعواقب الوخيمة، وكل ذلك يبيّن فضل ما جاءت به الشريعة، وأن الواجب هو الالتزام بأحكامها في جميع الأحوال، في كل زمان ومكان، والحذر من خلافها، ومما ينبغي أن يعلم أن هذا التفضيل إنما هو للجنس على الجنس، ولا يلزم من ذلك أن يكون كل فرد من أفراد الرجال أفضل من كل واحدة من النساء، بل قد يكون بعض النساء أفضل من بعض الرجال من وجوه كثيرة - كما هو معلوم من النقل والواقع في كل زمن - فعائشة وخديجة وحفصة، وغيرهن من أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن جميعا - أفضل من كثير من الرجال، وهكذا في كل زمان يوجد في النساء من تفوق بعض الرجال، في علمها وعقلها ودينها، ولكن ذلك كله لا يلزم منه مساواة المرأة للرجل في كل شيء، كما لا يلزم منه الدعوة إلى مساواتها في الميراث والأحكام، وقد سبق فيما ذكرنا من الأدلة عند الكلام على قصة عصا موسى وأهل الكهف، أن الواجب على جميع المكلفين هو الإيمان بالمنزّل، والخضوع له والتصديق به

الصفحة 37