كتاب حكم الإسلام فيمن زعم أن القرآن متناقض

والعمل بمقتضاه، وأنه لا يجوز رده أو بعضه، أو التكذيب بشيء منه، لأن الله - سبحانه- هو أصدق قيلا من خلقه، وهو العالم بأحوال عباده وما يصلحهم، ولأنه سبحانه أمر باتباع المنزّل ولم يجعل لعباده الخيرة في ردّ شيء منه، ولأن رسوله - صلى الله عليه وسلم - هو أصدق الخلق وأكملهم عقلاً وأزكاهم نفساً، وهو الأمين على وحيه- سبحانه- وقد أخبر - عز وجل - أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وقد بلّغ كلام ربه كما أنزل، وبلّغ شريعته كما أمر بذلك فلا يجوز لأحد، بعد ذلك، مخالفة المنزّل أو تغيير المشروع برأي أو اجتهاد، وقد أجمع العلماء كافة على أنه لا يجوز لأحد التكذيب بشيء مما أنزل الله أو دفعه، وعدم الرضى به أو العدول عمّا شرع، وذكروا أن ذلك كفر صريح وردة عن الإسلام، لما سبق من الأدلة، ولقوله سبحانه في هذا المعنى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} ، وقد سبق ما نقله الإمام الكبير إسحاق بن راهويه والقاضي عياض بن موسى، وشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله عليهم - من إجماع العلماء على ما ذكرنا فراجعه تجد ما يشفي ويكفي..
وأما اعتراضه على تعدد الزوجات وحجره على الشعب التونسي أن يجمع بين زوجتين فأكثر، وزعمه أنه فعل ذلك بالاجتهاد في مفهوم قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم} الآية.. فجوابه أن يقال: هذا من الغلط الكبير، والجهل العظيم، لأنه ليس لأحد من الناس أن يفسر كتاب الله بما يخالف ما فسره به رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - أو فسره به أصحابه - رضي الله عنهم - أو أجمع عليه المسلمون، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو أعلم الناس بتفسير كتاب الله وأنصحهم لله ولعباده، وقد أباح الجمع لنفسه ولأمته، وأمر بالعدل بين النساء وحذّر من الميل، وهكذا أصحابه - رضي الله عنهم - هم أعلم الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بتفسير كتاب الله - عز وجل - كما أنهم أعلم الناس بسنته، وهم أنصح الناس للناس، بعد الأنبياء، ولم يقل أحد منهم بتحريم الجمع، فكيف يجوز - بعد ذلك -

الصفحة 38