كتاب علاقة المعسكر النصراني الصليبي بالمسلمين عبر التاريخ ومنطلقاتها الأساسية

وَهَكَذَا نجد أَن المخاوف من الْمُسْتَقْبل تضغط هِيَ الْأُخْرَى على أعصابهم وتسيطر على تفكيرهم ونظرتهم لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمين فَلَا تبرحهم لَحْظَة من ليل أَو نَهَار، وَمن ثمَّ تشكل مُنْطَلقًا أساسياً آخر من منطلقات نظرتم إِلَيْنَا ومعاملتهم لنا يَنْضَم إِلَى المنطلقات الْأُخْرَى السالفة الذّكر، وَهِي الْمصَالح الْآنِية، والثارات الْقَدِيمَة، وَالروح الصليبية.. الَّتِي تنبع كلهَا من الصراع الطَّوِيل الأمد بَين الْإِسْلَام وَالْكفْر..وَالَّتِي تعْمل كلهَا مجتمعة فِي عقله وَقَلبه وَفِي (بؤرة شعوره) وتسيطر على تفكيره وضميره، وكيانه كُله، وَالَّتِي كَانَت وَمَا تزَال تَدْفَعهُ دفعا لِحَرْب الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين بشتى الْوَسَائِل وعَلى كَافَّة المستويات00وَلَا تَدعه يرتاح ويطمئن مَا دَامَ فِي الدُّنْيَا إِسْلَام ومسلمون.. فَهُوَ إِن نسي ثاراته، وخبت روحه الصليبية - مثلا وجدلاً - ذكرته مَصَالِحه الْآنِية، فَإِذا نسي مَصَالِحه أقلقه مخاوفه الْمُسْتَقْبلَة من صحوة الْمُسلمين وعودتهم إِلَى دينهم، فَهُوَ إِذن من أَمر الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين فِي شغل شاغل وَعمل دائب مُسْتَمر - وَلَقَد عمل للتخلص من الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين مُنْذُ زمن بعيد، وَمَا تِلْكَ الحروب الَّتِي شنها فِي الْمَاضِي الْبعيد والقريب (ويشنها الْيَوْم فِي الفلبين والحبشة وسواهما على الْمُسلمين إِلَّا لوناً من ألوان جهوده للتخلص من الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين.. وَلكنه الْيَوْم وَفِي الْعَصْر الْحَاضِر يعْمل وَهُوَ مزود بتجاربه ودروسه الَّتِي استفادها من صراعه مَعَ الْمُسلمين..
لقد عرف المعسكر النَّصْرَانِي الصليبي أَن الْمُسلم لَا يُمكن أَن يواجه فِي معركة مكشوفة يكْشف فِيهَا عدوه عَن حَقِيقَة أهدافه وَهِي رده عَن الْإِسْلَام أَو قَتله، فَإِن هَذَا الْكَشْف كَفِيل بِأَن يُوجد لَدَى الْمُسلم ردة فعل ترجعه إِلَى إِسْلَامه فيتمسك بِكِتَاب ربه - تَعَالَى - وَسنة نبيه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - وَفِي ذَلِك قوته الَّتِي لَا يقهرها كفر بِإِذن الله تَعَالَى وَنَصره.
وَعرف كَذَلِك أَن الْمُسلم يتمتع برصيد عالٍ من الاستعداد الإيماني حَتَّى والهزيمة تحل بِهِ فَهُوَ دَائِما وأبداً يشْعر أَنه أَعلَى من عدوه الَّذِي خدمته ظروف المعركة ولوقت مَا، وَمن ثمَّ كَانَ الْمُسلم يعْتَبر أَن هَذِه الْهَزِيمَة مُؤَقَّتَة وَلَو طَال أمدها، يعود بعْدهَا وينتصر على عدوه..

الصفحة 114