كتاب علاقة المعسكر النصراني الصليبي بالمسلمين عبر التاريخ ومنطلقاتها الأساسية

إِلَيْهِ وَأَن يُنَبه الْمُسلم الغافل، وَمن ثمَّ عَمَدت دوائره الاستشراقية إِلَى دراسة هَذَا التراث الْأَصِيل وإعادة كِتَابَته مَا أمكن كِتَابَته مِنْهُ وباللون الَّذِي يُريدهُ المعسكر النَّصْرَانِي الصليبي، ويخدم أغراضه من قتل روح الاستعلاء عِنْد الْمُسلم واستبدالها بِروح التّبعِيَّة للغرب، كَمَا أَشَرنَا لذَلِك فِي بداية هَذِه المحاضرة على صنيعهم فِي التَّارِيخ.
3 - ثمَّ قَامَت وسائله الإعلامية بتسليط أضواء قَوِيَّة على الْفِكر الغربي وإنتاجه والثقافة الغربية، وبالمقابل اسدال ستار كثيف على التراث الإسلامي الْأَصِيل، وَذَلِكَ حَتَّى يبهر الْمُسلم بالغرب وثقافته، وبقدر مَا يبهر بالغرب يستحيي من الانتماء لِلْإِسْلَامِ وَكتابه وَسنة نبيه - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - وتاريخه وتراثه الْأَصِيل.
4 - ثمَّ عمل على وأد روح الإبداع عِنْد الْمُسلم، فسيطر على مناهج التَّعْلِيم وَوضع لَهَا سياسة مُعينَة هدفها توسيع عملية التَّعْلِيم كَمَا يُقَال: أفقياً بِحَيْثُ يزْدَاد حَملَة الشَّهَادَات (الَّتِي لَا تشهد لحاملها بِالْعلمِ بل تشهد لَهُ بالضحالة العلمية) . ويقل بِسَبَب ذَلِك الْعلمَاء والخبراء.. أَو بتعبير آخر: كَانَ هدف هاتيك السياسات التعليمية هُوَ: لَيْسَ تَخْرِيج عُلَمَاء ومخترعين وبحاثين وَإِنَّمَا تَخْرِيج موظفين وكتبة، وَحسب، بِحَيْثُ لَا يصلحون إِلَّا لهَذَا النَّوْع من الْعَمَل، وَفِي نفس الْوَقْت لَا يكون لَهُم سوى تَحْصِيل الرِّبْح المادي الوفير والاسترزاق بشهاداته الَّتِي يحملهَا، فَهُوَ عبء على شهاداته، وَهُوَ أَيْضا عبء على دولته وَعَالَة على أمته لإطعامه وَكسوته وَمَا إِلَى ذَلِك دون أَن يقدم لَهَا هُوَ شَيْئا يذكر سوى هَذَا الْعَمَل الَّذِي يُمكن أَن تقوم بِهِ آلَة حاسبة أَو كاتبة مثلا، وَذَلِكَ لِأَن روح الْمُتَابَعَة والتحصيل العلمي والفكري والإنتاج والإبداع قد قتلت فِي نَفسه، قتلتها سياسات التَّعْلِيم ومناهجها الَّتِي وَضَعتهَا لَهُ الدَّوَائِر الاستعمارية الصليبية وَغَيرهَا.1 وَكَانَت النتيجة هِيَ أَن الْكمّ بَدَأَ يتغلب على الكيف وَالنَّوْع..
__________
1 - حمداً لله تَعَالَى واعترافاً بنعمته فقد وفْق سُبْحَانَهُ لوضع سياسة تعليمية مُسْتَقلَّة إسلامية لهَذِهِ المملكة، وَقد قَامَ بوضعها عُلَمَاء مُسلمُونَ مختصون فطاحل جزاهم الله تَعَالَى خيرا.

الصفحة 116