كتاب علاقة المعسكر النصراني الصليبي بالمسلمين عبر التاريخ ومنطلقاتها الأساسية
وَفِي نِهَايَة كل سنة دراسية كَانَ - وَمَا يزَال - فِي عالمنا الإسلامي يدْخل الْحَيَاة الْعَامَّة جيل من هَذَا النَّوْع من حَملَة الشَّهَادَات، وَيحمل مَعَه الضحالة فِي الْعلم والسطحية فِي التفكير، وَالرَّغْبَة الجامحة فِي الْحُصُول على أَعلَى نِسْبَة مُمكنَة من الرِّبْح المادي مِمَّا شغله عَن الاهتمام بتعميق وعيه وإدراكه ومتابعة الحركات العلمية والأدبية، فتحولت الْكَثْرَة الْغَالِبَة من هَذِه الأجيال إِلَى فئات من المرتزقة بالشهادات الَّتِي تحملهَا.
"والمؤسف حَقًا أَن هَذِه الفئات هِيَ الَّتِي بدأت مُنْذُ منتصف الْقرن الْحَاضِر تملأ الشواغر فِي الأجهزة العلمية والإعلامية والتربوية حَتَّى أَصْبَحْنَا الْيَوْم نرى أَن الأمية الفكرية هِيَ الصبغة الْغَالِبَة على جيوش المثقفين"1.
وَقد تمّ هَذَا كُله دون أَن تشعر الأجيال الجديدة من الْمُسلمين بخطورة هَذَا الاتجاه وآثاره على مستويات الثقافة، وَذَلِكَ لِأَن قدرتها على التَّمْيِيز وَالِاخْتِيَار تضعف بِالْقدرِ الَّذِي تهبط فِيهِ مستويات التَّعْلِيم.. بل إِن أجيالنا أَصبَحت لَا تستمرئ وَلَا ترْضى إِلَّا هَذَا النَّوْع المنخفض من التَّعْلِيم، فتحرص عَلَيْهِ بدافع حب الرَّاحَة والكسل. وَإِذا رَأَتْ مثلا - وعَلى سَبِيل الْمِثَال فَقَط - مدرساً يتوسع فِي مادته أَو مذكرته لَهُم، ويطالبهم بِالرُّجُوعِ إِلَى المصادر الأصيلة والبحث فِيهَا، علت أَصْوَاتهم بالاحتجاج، لأَنهم يُرِيدُونَ النجاح وَالشَّهَادَة وَحسب. أما الْعلم فَهُوَ من شَأْن طلابه..
هَذَا بعض مَا فعله بِنَا أعداؤنا، هُنَاكَ أُمُور أُخْرَى ومستويات حاربونا عَلَيْهَا لَا مجَال لذكرها الْآن، لضيق الْوَقْت عَنْهَا وأكتفي بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهَا بِذكر خطاب القسيس (زويمر) الَّذِي يُوضح سياسة المعسكر النَّصْرَانِي الصليبي فِينَا، وَهُوَ الْخطاب الَّذِي أَلْقَاهُ فِي مؤتمر المبشرين المنعقد فِي جبل الزَّيْتُون بالقدس فِي عَام 1327هـ. وَقد كَانَ ردا على خطاب أَلْقَاهُ مُقَرر المؤتمر الَّذِي قَالَ فِيهِ:
__________
1 - محلّة الْبَلَاغ الكويتية عدد 138 ص24 - 25. وَانْظُر بالتفصيل الْكتاب الْقيم (هَل نَحن مُسلمُونَ) للأستاذ الْكَبِير مُحَمَّد قطب، حفظه الله تَعَالَى.
الصفحة 117
180