كتاب علاقة المعسكر النصراني الصليبي بالمسلمين عبر التاريخ ومنطلقاتها الأساسية

مرّة أُخْرَى من الشرق وانتزاعه مِنْهُ الأناضول والبلقان، وقضاؤه على الإمبراطورية البيزنطية وفتحه عاصمتها الْقُسْطَنْطِينِيَّة وَتَحْوِيلهَا إِلَى عَاصِمَة الْإِسْلَام (إِسْلَام بَوْل) وتوغله بعْدهَا فِي قلب أوروبا حَتَّى شَاءَ الله - عز وَجل - أَن يقف فِي هَذِه الجولة عِنْد أسوار فيينا عَاصِمَة النمسا. وَكَذَلِكَ صُعُوده على أوروبا من الْجنُوب من إيطاليا حَتَّى دق أَبْوَاب روما وهدد دولة الفاتيكان. ثمَّ صُعُوده على روسيا القيصرية وانتزاعه مِنْهَا أطرافها الجنوبية والشرقية..
وجد المعسكر النَّصْرَانِي الصليبي نَفسه أَمَام عملاق قوي خرج من هَذِه الْمَدِينَة المنورة، فحطم لَهُ قواه وجيوشه الَّتِي كَانَ بهَا يصول ويجول وَيحكم بهَا نصف الْعَالم، وطارده حَتَّى حصره فِي أوروبا وَحدهَا بل فِي جُزْء مِنْهَا وطوقه من الشرق والغرب بذراعين قويتين يهدده بهما صباح مسَاء..
فَكَانَ هَذَا، أَيْضا، سَببا فِي تأصيل كَرَاهِيَة المعسكر النَّصْرَانِي الصليبي وعدائه لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمين وتعميق هَذِه الْعَدَاوَة والكراهية وامتزاجها بلحنه وَدَمه وعظمه وعصبه، وغدوها جُزْءا من تركيبه وتحولها إِلَى روح خبيثة من الحقد الدفين الَّذِي أُترع بِهِ قلبه، وامتلأ بهَا صَدره وأكلت كبده، فظهرت على أَلْسِنَة رؤوسه وَرِجَاله {وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} (آل عمرَان: 119) .
هَذِه الرّوح الحاقدة على الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين هِيَ الرّوح الصليبية..
فالروح الصليبية إِذن: هِيَ روح العداء والحقد والكراهية لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمين فِي نفوس رُؤُوس المعسكر النَّصْرَانِي الصليبي، من رجال كنيسته وملوكه، وَمن والاهم وأطاع أوامرهم وخضع لَهُم وَعمل بتوجيهاتهم واقتفى أَثَرهم فِي كره الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين وحربهم والحقد عَلَيْهِم..
لقد سرت هَذِه الرّوح فِي جسم المعسكر الصليبي - بِفعل رؤوسه - حَتَّى كَادَت تَشْمَل كيانه وتتغلغل فِي أَجْزَائِهِ وتشمل شعوبه وجماعاته وطوائفه وأفراده لَوْلَا وجود مجموعات أَو طوائف بَدَت مِنْهُم الْمَوَدَّة لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمين، بِسَبَب بقائهم أَو قربهم من التَّوْحِيد الَّذِي جَاءَ بِهِ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام -

الصفحة 98