كتاب الإسلام والحركات الهدامة المعاصرة
في الدعوة إلى الشيوعية. وكان أصدقاؤه إذا ضاقوا من طلباته حاولوا أن يكلفوه ببعض الأعمال التي قد تدر عليه ببعض الرزق، ولكنه كان يبوء بالفشل في كل عمل يسند إليه.
وكان ماركس قد تعرف على فتاة أثناء دراسته للحقوق في جامعة بون تدعى جيني، ولم يكن أحد قد اشتم منه رائحة نزعته الشيوعية إلى ذلك الحين. وكان عمره لا يتجاوز العشرين، وقد وقعت الفتاة في قلبه وهام بها، ولم يكن في أول أمره ذلك يفكر في الزواج منها لأنها من طبقة فوق طبقة أهله، والتقاليد تقف حجر عثرة في سبيله، غير أن الفتاة رغبت في الزواج منه ولم تعبأ بالفوارق الطبقية التي توجد بينهما. وقد أعلنت الفتاة أنها لن تتخلى عنه مهما كانت الفوارق، وأنها راضية به على أي حال. وعلى الرغم من تحقيق هذا الحلم فقد بدأ ماركس يشعر بالحقد الثائر نحو نظام الطبقات الذي كاد يحول بينه وبين جيني، وقد بدأت مشكلة المعاش - له ولزوجته - تتعقد أمام ماركس، فقد زادت نفقاته ولم يتحسن إنتاجه، ولاسيما بعد أن صار ذا أولاد، وقد صورت زوجته جيني ما صارت إليه هي وزوجها من البؤس وتعاسة العيش في كتاب إلى صديق لها تطلب منه أن يمد لها المساعدة؛ قالت فيه:
"ائذن لي أن أصف لك يوما من أيام هذه الحياة وسترى أن غيرنا لم يقاس ما قاسينا، فأنا مريضة سقيمة، ومع أن ثديي وظهري بهما أوجاع وآلام بالغة، فأنا مضطرة إلى أن أرضع طفلي الرابع الحديث الولادة، لأنني لا أستطيع أن أدفع أجرة مرضعة، ولكن طفلي كان يرضع الحزن والألم والوجع، فيتلوى من المرض ليلا ونهارا، ومع هذا الفقر والحاجة فقد دخلت علينا صاحبة المنزل وطلبت منا أجرة البيت، كما طالبت بما علينا لها من القروض، ولما كنا عاجزين عن الدفع فقد حجزت على كل ما نملك في البيت حتى فراش الطفل، وباعته بما لها علينا من الدين. ثم طردتنا إلى الشارع والمطر ينهمر بغزارة، والبرد قارس لا يرحم، وبذل زوجي ماركس كل ما في وسعه من جهد فلم نجد من يقبل إيواءنا"؛ كما كتبت جيني مرة أخرى تصف إحدى ليالي البؤس التي مرت بها وبماركس فتقول: "أحست ابنتنا
الصفحة 31
142