كتاب الإسلام والحركات الهدامة المعاصرة
قد بذلوا كل جهدهم للقضاء على النظام الطبقي، فإن المجتمع الشيوعي يتمثل فيه ما يتمثل في غيره من نظام الطبقات؛ فلا يزال روسيا - مثلا - طبقة العمال والفلاحين، وطبقة القادة العسكريين، وطبقة البوليس السري والمخابرات، وطبقة العمال والأكاديميين، وطبقة المهندسين، وطبقة الفنانين والرقاصين، وطبقة زعماء الحزب الشيوعي؛ وقد وجدت هذه الطبقات في المجتمع الشيوعي بحسب تفاوت الدخل الذي قدرته الحكومة لهؤلاء حسب ميزان الاحتياج الذي صنعوه، فقد جعل المعدل الوسط لحاجة العمال والفلاحين ما بين 600 إلى 700روبل، كما جعل المعدل الوسط للفنانين والرقاصين يتراوح ما بين 1400 إلى 2000روبل، وجعل المعدل الوسط للقادة العسكريين والمهندسين ما بين 4000 إلى 7000روبل؛ وبعد الحرب العالمية الثانية بدأت الحكومة الشيوعية ببناء منازل ومنح سيارة وسائق لبعض الطبقات.
أما إلغاء الحكومة فيقول ماركس: "وبعد أن تزول المنازعات بين الطبقات زوالا نهائيا خلال التطور، وبعد أن يتركز الإنتاج كله في أيدي الأفراد المتشاركين، عندئذ تفقد السلطة العامة طابعها السياسي" ثم يقول: " والدولة هي سلطة الطبقة المنظمة، تزول بزوال الطبقة، وعندئذ يكون عهد الشيوعية بكل ما تعني الكلمة ... " ويقول: "الشيوعية هي عهد تسوده الحرية، وعصر يزدهر فيه الإنسان أكمل ازدهار، فهو يحتم مع زوال الطبقات زوال الحكومة". ونحن لا نستطيع أن نجزم هل كان ماركس متمتعا بقواه العقلية حينما يخرج على الناس بمثل هذه النظرية التي لا يعرفها التاريخ البشري في المجتمعات المتمدنة أو الهمجية على حد سواء، وحتى ولو فرض وجودها في مجتمع بدائي همجي فهل يجيز العقل وجود مثلها في مجتمع ذي حاجات متفاوتة، بل وإلحاح في طلب الكماليات. وهل ظن ماركس والذين خططوا له أن فطر الناس المتباينة، وطبائعهم المتنازعة سيئول بها الحال إلى الزوال؟ فيعيش الناس في الأرض يأكلون من نباتاتها المختلفة، ولحوم حيواناتها المتغايرة الطبائع ثم يصيرون في نفس الوقت كملائكة السماء. ولا نذهب بعيدا لنراجع نحن أو غيرنا في ذلك حوادث التاريخ، وإنما
الصفحة 34
142