كتاب بنو إسرائيل في ضوء الإسلام

هذا الشعب المسكين الذليل الخاوي النفس، الذي قاسى الأمرين في حياة العبودية تحت طغيان فرعون وملئه.
ويذهب موسى عليه السلام إلى مصر قادما من مدين، ويذهب إلى فرعون ومعه أخوه هارون يحملان رسالة الله إلى فرعون، يطلبان منه أن يسمح بهجرة بني إسرائيل من مصر مع موسى، ولكن فرعون وهو يعلم أن بني إسرائيل هم عصب الحضارة في مملكته، وهم حمير هواه ورغباته رفض طلب موسى، وأخذته العزة بالإثم، ودأب موسى على الدعوة إلى الله، وكذبه فرعون وقومه. وانتصر موسى عليه السلام على سحرة فرعون الذين آمنوا به مراغمة لفرعون، فراحوا شهداء بغيه وظلمه. وقال الله إخبار عن جبن بني إسرائيل: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلإِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ} (يونس: من الآية83) . وابتلى الله قوم فرعون بالمصائب المتنوعة علهم يتوبون ويؤمنون، ولكن بلا جدوى، وأخيرا أذن الله لموسى وقومه بني إسرائيل بالهجرة من دار الظل والذل والكفر والترف إلى الأرض المقدسة "فلسطين".
وخرجوا ليلا وشعر بهم فرعون وجنوده، فأتبعوهم مشرقين عند البحيرات المرة، فضرب موسى البحر بعصاه فاستحال بعضه طريقا ولجه موسى وقومه فنجوا، وغرق فيه فرعون وجنده وبنو إسرائيل ينظرون. وبهذا ينتهي الفصل الثاني من حياة بني إسرائيل في مصر، حياة الحضارة والترف، مقرونة بالذل والهوان، وتفتح صفحة جديدة في تاريخهم ومعهم نبيهم موسى عليه السلام، وهي مرحلة ما بين خروجهم من مصر وقبل دخولهم الأرض المقدسة.
وهنا تتفاعل عناصر الذل والهوان والعبودية التي مرنت عليها نفوسهم عشرات السنين في أرض الحضارات، وتأبى إلا أن تفرز ذلا وهوانا كما قيل: "وكل إناء بالذي فيه ينضح" فقد مروا في طريقهم يقودهم عليه السلام على أقوام يعكفون على أصنام لهم يعبدونها، فقالوا: "يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة". فانظر إلى هذه العقلية التافهة كيف نسيت ربها وخالقها الذي أنعم عليها ونجاها من الذل والهوان.

الصفحة 75