كتاب بنو إسرائيل في ضوء الإسلام

وقد بقيت فكرة تجسيد الإله ووضع مثال له راسخة في عقول الكثير من بني إسرائيل حتى مع وجود موسى بينهم، قال تعالى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} (البقرة: من الآية93) . ولعل لفرط ما رأوا من عبادة الأقباط لفرعون ولخضوعهم له زمانا طويلا أثرا في ذلك؛ فلما غاب عنهم موسى أربعين ليلة تاركا أخاه هارون بينهم، استطاع السامري أن يصنع لهم عجلا من الذهب يصوت إذا ضربته الريح، وسرعان ما أقنعهم أنه إلههم وإله موسى، فعكفوا على عبادته، فإذا تذكرنا أن العجل كان من بين آلهة المصريين التي يقدسونها تبين لنا إلى أي مدى تفعل البيئة فعلها في الأمم والشعوب.
ويأتيهم موسى عليه السلام بكتاب الله التوراة ويرفضونها ويقولون سمعنا وعصينا، ولا عجب في ذلك، فإن النفوس الذليلة التي تعبدت لفرعون والعجل يصعب عليها أن ترفع عنها نير الذل والخور دفعة واحدة وترفع رؤوسها إلى خالق السماوات والأرض لتناجيه في السراء والضراء.
أما جبنهم فإن الآيات القرآنية الآتية تسجله عليهم بأوضح بيان في نقاش معهم: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ} (المائدة:21،22) إلى أن قال: {قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (المائدة:24) . وفي آخر آية 26حرم الله دخولها عليهم أربعين سنة تاهوا في سيناء، وهيأ الله لهم الغمام يظلهم، والمن والسلوى طعامهم، فسئموها وطلبوا القثاء والفوم والعدس والبصل… فدخلوا العقبة "أيلة" ومات عليه السلام في هذه الفترة ولم يدخل فلسطين. وما أصدق قول الشاعر العربي الأبي الحارث بن حلزة البشكري:
لا يقيم العزيز في البلد السهل
ولا ينفع الذليل النجاء
فهذه قصة أرض الميعاد أمرهم الله بدخولها ومعهم نبيهم موسى عليه السلام فرفضوا الأوامر ولفظوها وتطاولوا بسوء أدبهم على الله، وسلكوا مسلك الأطفال

الصفحة 76