كتاب بنو إسرائيل في ضوء الإسلام

أن يسرفوا في شرب الماء، لأن ذلك مدعاة إلى البطنة والكظة والترهل، ثم الفتور والتكاسل، فعصوا أوامر الملك ووقعوا في الماء شربا وعبا إلا قليلا منهم، ووقع ما حذرهم منه ملكهم، وقالوا لا طاقة لنا اليوم بحرب الأعداء "سورة البقرة 248-250" ولكن الله نصر الفئة القليلة المؤمنة الصابرة منهم، واستطاع داود عليه السلام أن يقتل ملك الأعداء ويفتح البلاد، وأتاه الله الملك والنبوة والرسالة.
ويبدأ عهد جديد في تاريخ بني إسرائيل، عهد الملك المشفوع بالنبوة والرسالة، وهو العصر الذهبي لهم، حيث مَنَّ الله عليهم بأنبياء ملوك؛ كداود وسليمان، وأنبياء بلا ملك، وملوك بلا نبوة، وظهر فيهم المخلصون الربانيون الذين جاهدوا في الله حق جهاده مع أنبيائهم السابقين، حتى يكاد يخيل لقارئ قصصهم أنهم فارقوا تلك الصفات السوداء التي سودت صحائف نفوسهم فاستحقوا بذلك الأفضلية في عالم زمانهم؛ قال تعالى: {يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} (البقرة:47) . وقال تعالى: {وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرائيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (الدخان:30-32) .
وانتهى عصرهم الذهبي الذي لم يدم أكثر من حكم داود وسليمان عليهما السلام، وتفسخت دولتهم بعدهما وانقسمت إلى دولتين.
وكانت الفترة ما بين سليمان ومبعث المسيح عليهما السلام فترة مليئة بالعبر والمحن والابتلاء، وقد حقق الله وعيده فيهم حين قال: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} (لأعراف: من الآية167) فقد كذبوا فريقا من الأنبياء وقتلوا فريقا، فسلط الله على الدولة الأولى الأشورييين، فدمروا ملكهم وفتكوا بهم، وسلط الله على الدولة الأخرى بختنصر "نبوخذ نصر" البابلي، فحطم ملكهم وأعمل السيف فيهم، وسبى الألوف منهم إلى بابل، ثم أرجعهم كورش الفارسي وسمح لهم بممارسة طقوسهم الدينية تابعين له، ثم سلط الله عليهم السلوقيين اليونان، وصار لهم شبه دولة تحت حكمهم، وكانت الفتن والثورات لا تنفك تحدث بينهم تسيل فيها الدماء، ولما دالت دولة اليونان السلوقيين خلفهم الرومان، فاستبدوا في البلاد كلها، وفي أوائل

الصفحة 78