كتاب بنو إسرائيل في ضوء الإسلام

سمعت تكبيري: "خيبك الله، والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادما ما زدت". قال: فقلت لها: "أي عمة هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه، بعث بما بعث به". قال: فقالت: "أي ابن أخي أهو النبي الذي كنا نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة؟ " قال: فقلت لها: نعم. قال: فقالت: فذاك إذن. قال: ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، ثم رجعت إلى أهل بيتي فأمرتهم فأسلموا. قال: وكتمت إسلامي من يهود، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: "يا رسول الله إن يهود قوم بهت، وإني أحب أن تدخلني في بعض بيوتك وتغيبني عنهم "أي تسترني" ثم تسألهم عني حتى يخبروك كيف أنا فيهم قبل أن يعلموا إسلامي، فإنهم إن علموا به بهتوني وعابوني". قال: فأدخلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض بيوته ودخلوا عليه فكلموه وسألوه ثم قال لهم: "أي رجل عبد الله بن سلام فيكم" قالوا: "سيدنا وابن سيدنا وحبرنا وعالمنا". قال: فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم فقلت لهم: "يا معشر يهود اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به، فوالله إنكم لتعلمون أنه لرسول الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة باسمه وصفته، فإني أشهد أنه رسول الله وأومن به وأصدقه وأعرفه"؛ فقالوا: كذبت، ثم وقعوا بي، فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قوم بهت، أهل غدر وكذب وفجور؟ " قال: وأظهرت إسلامي وإسلام أهل بيتي، وأسلمت عمتي خالدة بنت الحارث فحسن إسلامها، وكذلك أسلم مخيريق وكان حبرا عالما غنيا كثير الأموال، ودعا قومه للإسلام فأبوا، فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وقتل شهيدا، وأوصى بأمواله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مخيريق خير يهود".
هذه الروايات تصور نفسية بني إسرائيل بأجلى بيان وأوضح تبيان على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وصوله المدينة مهاجرا أراد أن يبدأ اليهود بالخير والمسالمة والتآلف واللين، فعقد معهم معاهدة صلح ليأمن شرهم ويغريهم بالدين الجديد، ولكن أنى لحلفاء الشيطان أن يعيشوا عيشة الكرامة والمسالمة، إذ ما لبث شيطان الحسد أن ثار في نفوسهم وهاج هيجانا عظيما بعد موقعة بدر، فخان بنو

الصفحة 82