كتاب استقبال المسلمين لرمضان

الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} . ثم ألزموا به بعد أن توطنت نفوسهم عليه واطمأنت قلوبهم إليه. فحددت لهم أيامه وانتفى عنهم التخيير في قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} وبقوله: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} . وبجانب ذلك نوافل وسنن من الصيام في مناسبات وملابسات أخرى انفرد بها الصيام عن سائر العبادات ما كان منها عاما وما كان منها خاصا. فمن ذلك صيام يوم عاشوراء وإنه ليكفر سنة كاملة.
ومنها صيام يوم عرفة لمن ليس بعرفات وإنه ليكفر سنة قبله وسنة بعده ومنها صيام الست من شوال وإنها مع رمضان بمثابة صيام الدهر. ومنها صوم يوم الاثنين؛ يوم ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه فيه. وغير ذلك - الأيام المطلقة - كالأيام البيض كل شهر ويوم الخميس ... إلى غير ذلك. كما شرع الصوم جبرانا لنقص أو تفاديا لخطأ، أو خروجا من مأزق؛ فمن صيام الجبران الصيام عن دم التمتع. ومن التفادي للخطأ عدل دم الصيد وجزائه. ومن الخروج من المأزق الكفارة عن الظهار واليمين وغير ذلك. وهكذا تطور مشروعيته وينفسح تشريعه مما خص به الصيام دون غيره من العبادات.
وإن للقرآن الكريم منهجا خاصا في سبيل تشريع الصيام جملة وتفصيلا وللصيام خصائص وحكم. لكل عبادة في الإسلام خصائصها وحكمتها، وكلها أنواعُ غذاءٍ للروح تتنوع كأنواع غذاء البدن.
فالصلاة: تنهى عن الفحشاء، وتغسل الذنوب كما قال صلى الله عليه وسلم: "كنهر جار أمام بيت أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات"، وتأتي يوم القيامة نورا على الصراط: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} . وكما في الحديث: "والصلاة نور والصدقة برهان".
والزكاة: طهرة للمال وتزكية لصاحبها: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} فهي طهرة للمال من شوائب الحقوق وتعلق

الصفحة 30