كتاب حجية السنة النبوية ومكانتها في التشريع الإسلامي

والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين في حفظها، وصيانتها، وذكر بعض نماذج السير لرجالها الذين كانوا حماتها وحفاظها.
أما معنى السنة لغة: فهي على وزن فعلة بمعنى مفعولة، وجمعها السنن، قال العلامة الإمام ابن الأثير: "قد تكرر في الحديث ذكر السنة، وما تصرف منها، والأصل فيها الطريقة، والسيرة، وإذا أطلقت في الشرع، فإنما يراد بها ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ونهى عنه، وندب إليه قولا، وفعلا مما لا ينطق به الكتاب العزيز، ولهذا يقال: في أدلة الشرع الكتاب والسنة. أي القرآن والحديث". وقال أيضاً: "ويجوز أن تكون من سننت الإبل إذا أحسنت رعيتها، والقيام عليها، ومنه الحديث: "أنه نزل المحصب، ولم يسنه" - أي لم يجعل سنة يعمل بها، وقد يفعل الشيء لسبب خاص لا يعم غيره"1 قلت: ورد هذا المعنى اللغوي في الأحاديث الكثيرة منها حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: "رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بسنة" - أي أنه لم يسنه لكافة الأمة، ولكن لسبب خاص وهو أن يرى المشركين قوة أصحابه، وهو مذهب ابن عباس وحده من الصحابة، وغيره يرى أن الرمل في طواف القدوم سنة2. ومنها حديث أخرجه الإمام مالك في موطئه عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عمر قال: "لا أدري ما أصنع بالمجوس، فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه: "أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" 3. فالمقصود أنها تطلق على الطريقة سواء كانت حسنة أو قبيحة كما جاء في حديث أخرجه مسلم في الصحيح والنسائي في السنن والإمام أحمد في المسند من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه مرفوعا: "من سن سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها"4. ومنها حديث أخرجه الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا شبرا، ذراعا ذراعا
__________
1 النهاية لابن الأثير 1/186
2 أخرجه الأمام أحمد في المسند 1/229 وأبو داود في السنن، المناسك (50) .
3 فتح الباري 6/361 وانظر مسند الحافظ أبي يعلى برقم 456 والموطأ الزكاة (42)
4 مسلم العلم (15) النسائي الزكاة (64) مسند الإمام أحمد 4/357

الصفحة 88