كتاب إتحاف الأحباب بما ثبت في مسألة الحجاب

تَعَالَى: لَا بَأْس بِإِظْهَار الْمَرْأَة أَمَام الْمَحَارِم كل شَيْء مَا عدا مَا بَين السُّرَّة إِلَى الرّكْبَة، أجيبوني بالتفصيل وَالِاسْتِدْلَال؟ وبينوا لي مَا حكم الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة؟
ج- نعم قَالَ ذَلِك الْأُسْتَاذ المودودي فِي كِتَابه تَفْسِير سُورَة النُّور، إِذْ قَالَ: فعورتها (أَي الْمَرْأَة) للرِّجَال جَمِيع بدنهَا إِلَّا الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ، وَاسْتدلَّ على ذَلِك بقوله: فَعَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا "أَن أُخْتهَا أَسمَاء بنت أبي بكر دخلت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَعَلَيْهَا ثِيَاب رقاق، فَأَعْرض عَنْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ: "يَا أَسمَاء إِن الْمَرْأَة إِذا بلغت الْمَحِيض لم تصلح أَن يُرى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَهَذَا وَأَشَارَ إِلَى وَجهه وكفيه"، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُرْسلا، وَقد نقل ابْن جرير فِي تَفْسِيره رِوَايَة فِي هَذَا الْمَعْنى عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، تَقول فِيهَا: دخلت عَليّ ابْنة أخي لأمي عبد الله بن الطُّفَيْل مزينة فَدخل عَلَيْهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَأَعْرض عَنْهَا ثمَّ ذكر الحَدِيث كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث أَسمَاء بنت أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا1. قلت: وَقد رَجَعَ الْأُسْتَاذ المودودي فِي كِتَابه ((الْحجاب)) عَن هَذَا الرَّأْي إِلَّا أَن دَلِيل رُجُوعه لم يكن قَوِيا، لِأَنَّهُ لم يكن عَن طَرِيق النُّصُوص بل كَانَ عَن طَرِيق الْفَهم والاستنباط وواقع النَّاس، فَلم يكن - كَمَا قلت - قَوِيا فِي نظر من يشْتَغل بِالْحَدِيثِ النَّبَوِيّ الشريف وَلذَلِك رد عَلَيْهِ الْعَلامَة الْمُحدث شَيخنَا الشَّيْخ مُحَمَّد نَاصِر الدّين الألباني فِي كِتَابه ((حجاب الْمَرْأَة الْمسلمَة فِي الْكتاب وَالسّنة)) ، وَلَا طائل بِنَقْل رده عَلَيْهِ وَإِنَّمَا بَيَان هَذِه الْمَسْأَلَة فِي ضوء الْكتاب وَالسّنة دون أَن أكون وسطا بَين الرَّاد والمردود عَلَيْهِ، وَلكُل وَاحِد مِنْهُمَا جهود مباركة ومساع حميدة فِي الدعْوَة إِلَى الله تَعَالَى فجزاهما الله تَعَالَى عَن الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين خير الْجَزَاء.
نعم رِوَايَة أبي دَاوُود هَذِه الْمشَار إِلَيْهَا أخرجهَا الإِمَام أَبُو دَاوُود فِي سنَنه تَحت بَاب (فِيمَا تبدي الْمَرْأَة من زينتها) ثمَّ سَاق الْإِسْنَاد بقوله حَدثنَا يَعْقُوب بن كَعْب الْأَنْطَاكِي، ومؤمل بن الْفضل الْحَرَّانِي، قَالَا: أخبرنَا الْوَلِيد، عَن سعيد بن بشير، عَن قَتَادَة، عَن خَالِد قَالَ يَعْقُوب بن الْفضل الْحَرَّانِي، قَالَا: أخبرنَا الْوَلِيد، عَن سعيد بن بشير، عَن قَتَادَة، عَن خَالِد، قَالَ يَعْقُوب بن دريك عَن عَائِشَة، ثمَّ ذكر الحَدِيث بِطُولِهِ الَّذِي نَقله الشَّيْخ أَبُو الْأَعْلَى المودودي فِي كِتَابه، وَقَالَ الإِمَام أَبُو دَاوُود فِي
__________
1 تَفْسِير سُورَة النُّور للأستاذ المودودي ص 156-157.

الصفحة 126