كتاب إتحاف الأحباب بما ثبت في مسألة الحجاب

وسوارها، وَأما خلْخَالهَا، ومعضدها، نحرها، وشعرها فَإِنَّهَا لَا تبديه إِلَّا لزَوجهَا1.
قلت: رِوَايَة ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا هَذِه قد اطَّلَعت على إسنادها عِنْد ابْن جرير الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره ورجالها كلهم ثِقَات إِلَّا أَنَّهَا مُنْقَطِعَة لِأَن فِيهَا عَليّ بن أبي طَلْحَة الْمُتَوفَّى سنة 143هـ يروي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا وَلم يلقه والواسطة بَينهمَا هُوَ مُجَاهِد بن جبر الْمَكِّيّ وَهُوَ إِمَام كَبِير ثِقَة ثَبت كَمَا لَا يخفى على أحد، وَقد احْتج بِهَذِهِ الرِّوَايَة، أَعنِي رِوَايَة عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا البُخَارِيّ فِي الْجَامِع الصَّحِيح إِذْ أوردهَا فِي مَوَاضِع عديدة من كتاب التَّفْسِير معلقَة وَإِن كَانَت لَيست على شَرطه فِي الْجَامِع الصَّحِيح قَالَ ذَلِك الْحَافِظ فِي التَّهْذِيب340-7.
وَقَالَ الإِمَام الْمزي فِي تَهْذِيب الْكَمَال 488-5 مُشِيرا إِلَى رِوَايَة التَّفْسِير هَذِه ((فِي تَرْجَمَة عَليّ بن أبي طَلْحَة هُوَ مُرْسل عَن ابْن عَبَّاس وَبَينهمَا مُجَاهِد)) وَاعْتمد على هَذِه الرِّوَايَة عَلامَة الشَّام مُحَمَّد جمال الدّين القاسمي فِي تَفْسِيره 4909-63 وَالْإِمَام الْقُرْطُبِيّ فِي تَفْسِيره 243-14 وَكَذَلِكَ الإِمَام ابْن كثير فِي تَفْسِيره فِي مَوَاضِع عديدة فَكَانَت قَوِيَّة ومحتجا بهَا عِنْد عُلَمَاء التَّفْسِير وَغَيرهم، وَإِن ظَاهر الْقُرْآن وَالسّنة وآثار الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ تؤيدها فليعتمد عَلَيْهَا ويستأنس بهَا، قَالَ الله تَعَالَى فِي سُورَة الْأَحْزَاب فِي حق أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} ، وَقَالَ الإِمَام ابْن كثير فِي تَفْسِير هَذِه الْآيَة: وكما نَهَيْتُكُمْ عَن الدُّخُول عَلَيْهِنَّ، وَكَذَلِكَ لَا تنظروا إلَيْهِنَّ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِن كَانَ لأحدكم حَاجَة يُرِيد تنَاولهَا مِنْهُنَّ فَلَا ينظر إلَيْهِنَّ.
قلت: وَهَذَا الحكم عَام لجَمِيع المسلمات الْمُؤْمِنَات دون تَخْصِيص أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُم} الْآيَة، ثمَّ قَالَ جلّ وَعلا: {قُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ} ، وَقَالَ جلّ وَعلا: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} ، وَلَقَد عرفنَا إِن شَاءَ الله تَعَالَى خلال سرد هَذِه الْآيَات الكريمات أَن الحكم عَام لَا يخْتَص بأمهات الْمُؤمنِينَ كَمَا نَص الْقُرْآن الْكَرِيم، وَلَقَد أَخطَأ الْعَلامَة القَاضِي عِيَاض فِي كِتَابه ((الشفا فِي حُقُوق الْمُصْطَفى)) إِذْ قَالَ رَحمَه الله تَعَالَى: إِن هَذَا الحكم
__________
1 تَفْسِير الدّرّ المنثور 42/5.

الصفحة 132