كتاب إتحاف الأحباب بما ثبت في مسألة الحجاب

تخرجين؟ قَالَت: فَانْكَفَأت رَاجِعَة، وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بَيْتِي، وَإنَّهُ ليتعشى، وَفِي يَده عرق (هُوَ الْعظم إِذا أَخذ مِنْهُ مُعظم اللَّحْم) ، فَدخلت، فَقَالَت: يَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنِّي خرجت لبَعض حَاجَتي فَقَالَ لي عمر كَذَا، وَكَذَا قَالَت: فَأوحى الله إِلَيْهِ، ثمَّ رفع عَنهُ، وَإِن الْعرق فِي يَده، مَا وَضعه فَقَالَ: "إِنَّه أذن لكم أَن تخرجن لحاجتكن الحَدِيث".
قلت: الشَّاهِد مَعْرُوف من هَذَا الحَدِيث وَهُوَ أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ لم يعرف سَوْدَة من وَجههَا وكفيها، وَإِنَّمَا عرفهَا من جسامة جسمها فَدلَّ على أَنَّهَا كَانَت مستورة الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ وَهَذَا هُوَ معنى الْحجاب أَعنِي تَغْطِيَة الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ وَسَائِر الْجِسْم، وَإِذا لم يكن هَذَا الْمَعْنى مرَادا فَمَاذَا كَانُوا يغطون قبل نزُول الْحجاب، وَهَذَا أَمر فِي غَايَة الوضوح وَالْبَيَان، إِذا لم تكن سَوْدَة بنت زَمعَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا مستورة الْوَجْه عِنْد خُرُوجهَا من بَيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكيف يُقَال فِي حَقّهَا وَحقّ غَيرهَا من أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُن أَنَّهُنَّ امتثلن الْأَمر الإلهي بالحجاب، وَمَعَ الْعلم أَن ستر الْوَجْه وَالْكَفَّيْنِ لَهُ أصل فِي السّنة النَّبَوِيَّة وَقد كَانَ ذَلِك معهودا فِي زَمَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا يُشِير إِلَيْهِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "لَا تتنقب الْمَرْأَة الْمُحرمَة، وَلَا تلبس القفازين" والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ، وَالنَّسَائِيّ وَالْإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه الْكُبْرَى، من حَدِيث عبد الله بن عمر مَرْفُوعا، وَحَدِيث آخر، أخرجه البُخَارِيّ، وَمُسلم، وَالْإِمَام أَحْمد فِي الْمسند، وَابْن جرير الطَّبَرِيّ فِي تَفْسِيره من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا فِي حَدِيث الْإِفْك، قَالَت: فَبَيْنَمَا أَنا جالسة فِي منزلي غلبتني عَيْني فَنمت، وَكَانَ صَفْوَان ابْن الْمُعَطل السّلمِيّ ثمَّ الذكواني من وَرَاء الْجَيْش فأدلج، فَأصْبح عِنْد منزلي فَرَأى سَواد إِنْسَان نَائِم، فَأَتَانِي، فعرفني حِين رَآنِي، وَكَانَ يراني قبل الْحجاب، فَاسْتَيْقَظت باسترجاعه (أَي قَالَ إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون) حِين عرفني فخمرت وَجْهي بجلبابي الحَدِيث…
قلت: فِي هَذَا الحَدِيث شَاهد قوي، وَدَلِيل وَاضح على أَن الْوَجْه عَورَة وَلذَا خمرت وَجههَا الصديقة بنت الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَنَحْو هَذَا الحَدِيث مَا أخرجه الإِمَام أَحْمد فِي الْمسند، وَالْبَيْهَقِيّ فِي السّنَن الْكُبْرَى، وَأَبُو دَاوُود فِي السّنَن بِإِسْنَاد صَحِيح عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قَالَت: كَانَ الركْبَان يَمرونَ بِنَا، وَنحن مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُحرمَات، فَإِذا حاذوا بِنَا

الصفحة 135