كتاب إتحاف الأحباب بما ثبت في مسألة الحجاب

سِيَاق كَلَامه أَنه يحْتَج بِهَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي رَوَاهَا فِي تَرْجَمَة نَبهَان المَخْزُومِي، وَيرى أَن نَبهَان مولى أم سَلمَة وَإِن كَانَ لم يوثق من أحد من أَئِمَّة الْجرْح وَالتَّعْدِيل فَهُوَ مِمَّن يحْتَج بحَديثه فِي هَذَا الْبَاب، كَمَا نقل عَن النَّسَائِيّ بِأَنَّهُ أخرج حَدِيثه الثَّانِي فِي الْحجاب من وُجُوه أُخْرَى، وَقَالَ الإِمَام الذَّهَبِيّ فِي كتاب الكاشف فِي معرفَة من لَهُ رِوَايَة فِي الْكتب السِّتَّة فِي تَرْجَمَة نَبهَان، عَن مولاته أم سَلمَة وَعنهُ الزُّهْرِيّ، وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن ثِقَة.
وَحَدِيث أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا هَذَا أوردهُ الإِمَام ابْن كثير فِي تَفْسِيره1 وَقَالَ: وَاحْتج بِهِ كثير مِنْهُم على مَعْنَاهُ.
وَأخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه2، قلت: هُوَ حَدِيث حسن إِسْنَاده، وَفِيه حكم صَرِيح بالحجاب لأمهات الْمُؤمنِينَ، وَلَا يخْتَص الحكم بِهن كَمَا سبق، وَأما حَدِيث الخثعمية فَلَيْسَ على إِطْلَاقه، وَإِن صَحَّ مَدْلُوله على حسب رأى بعض أهل الْعلم بل يحمل عَلَيْهِ حَدِيث أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَهُوَ حَدِيث يُؤَيّدهُ ظَاهر الْقُرْآن وَالْأَحَادِيث الْأُخْرَى الصَّحِيحَة، قَالَ الإِمَام أَبُو دَاوُد فِي نِهَايَة الحَدِيث:أَعنِي حَدِيث نَبهَان عَن مولاته أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا وَهَذَا لِأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاصَّة، أَلا ترى إِلَى اعْتِدَاد فَاطِمَة بنت قيس عِنْد ابْن أم مَكْتُوم، قد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لفاطمة بنت قيس: "اعْتدي عِنْد ابْن أم مَكْتُوم فَإِنَّهُ رجل أعمى تَضَعِينَ ثِيَابك عِنْده" اهـ.
قلت: هَذَا قَول ابْن قُتَيْبَة الإِمَام فِي كِتَابه ((تَأْوِيل مُخْتَلف الحَدِيث)) 3 وَالَّذِي تأثر مِنْهُ الإِمَام دَاوُد رَحمَه الله تَعَالَى، وَلَيْسَ فِي حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا لفظ يدل على جَوَاز نظر فَاطِمَة بنت قيس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أثْنَاء إِقَامَتهَا عِنْد ابْن أم مَكْتُوم فَالْحَدِيث أخرجه الإِمَام مُسلم فِي الصَّحِيح وَكَذَا أَبُو دَاوُود وَالتِّرْمِذِيّ، وَالنَّسَائِيّ فِي سُنَنهمْ، وَمَالك فِي موطئِهِ، وَابْن الْجَارُود فِي الْمُنْتَقى وَالْإِمَام أَحْمد فِي مُسْنده بسياق طَوِيل4، وَأوردهُ الْحَافِظ فِي التَّلْخِيص برقم 1493 فَإِنِّي لم أطلع على لفظ يدل على الخصوصية، وَقَالَ صَاحب العون5 هَكَذَا جمع الْمُؤلف أَبُو دَاوُود بَين الْأَحَادِيث، وَقَالَ حَدِيث أم سَلمَة مُخْتَصّ بِأَزْوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحَدِيث فَاطِمَة بنت قيس لجَمِيع النَّاس هَكَذَا جمع الْمُؤلف أَبُو دَاوُد بَين الْأَحَادِيث.
قَالَ الْحَافِظ فِي التَّلْخِيص قلت: وَهَذَا جمع حسن وَبِه جمع الْمُنْذِرِيّ فِي حَوَاشِيه،
__________
1 تَفْسِير ابْن كثير 283/3.
2 موارد الظمآن 1458، 968.
3 تَأْوِيل مُخْتَلف الحَدِيث ص 225.
4 مُسْند الإِمَام أَحْمد 414/6.
5 عون المعبود 109/4.

الصفحة 139