كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: مقدمة)

الثقافة والأدب والفكر سلاحا ناسفا لقوى متجمعة، أو لقوى هي في طريقها إلى التجمع = ولا أن أمضى سلاح في يد عدونا هو "سلاح الكلمة" الذي يحمله رجال من أنفسنا، ينبثُّون في كل ناحية، ويعملون في كل ميدان، وينفثون سمومهم بكل سبيل = ولا أن بعض هؤلاء الرجال يأتون ما يأتون عن علم، وبعضهم قد أُخِذَ من غفلته، فهو ماض في طريقه على غير بينة.
وقد اتفق اتفاقا أن يكون أكثر ما طويت عليه هذه الفصول، كشفا عن حقيقة إنسان من أهل زماننا، ممن يأتي ما يأتي عن علم وعلى بينة، وقد مَهّدَتْ له الطريق قُوى من وارء ستار، ظلت تحوطه وترعاه، حتى انتهى إلى أن تصدَّرَ فجأة، وأصبح قادرا على أدء مهمته في هذه الحرب الدائرة، آمنا من كل ريب، مُعانا على تحقيق أهداف عدونا في أوسع صحفنا انتشارا وأعظمها أثرا، وبين أعظم قُوَانا العاملة الواعدة، وهي شباب هذه الأمة، فخُدع به من خُدع. وقد اتخذ "شيخ المعرة"، في بعض ما يكتب وسيلة لبث أفكار كثيرة تحت عَجَاج من التعالُم والتنفّخ بالمنهج وغير المنهج، فأعانني ما كتبَهُ على الكشف عن حقيقة الصراع الدائر بين حضارتنا وحضارة عدونا، أعانني أيضا على الكشف عن جَهله بهذه العربية التي يكتب الآن بها، وقد كان لها كارها، وعلى حربها حريصا فيما سلفَ من أيامه. ثم أعانني مرة أخرى على الكشف عن كل ما يتنبَّل به من معرفة بالإنجليزية واليونانية، فأثبتُّ بالبرهان أنه فاقدٌ للحسّ الأدبي، في ترجمة "الضفادع" لأرسطوفان، (1) وأنه يدلّسُ على الناس، علة مذهب جماعة " المبشرين" الذين حاطوه ورَعَوْهُ من وراء ستار حتى بلغ ما بلغ، مستعينين على ذلك بغَفْلتنا عن حقيقة الصراع في ميادين الثقافة والأدب والفكر.
ونَعَمْ، إن هذه الفصول، قد تخللها كشف عن جماعة آخرين ممن اتخذوا الصحافة أو التأليف في زماننا، ستارا لبثّ ما يريده عدونا في ميدان الثقافة والأدب والفكر، ولكني كنت قد عقدت النية على أن أتابع السير، بعد أن
__________
(1) انظر الفصل رقم: 25 من هذه الفصول ص: 445 - 446.

الصفحة 10