كتاب أباطيل وأسمار (اسم الجزء: مقدمة)

أفرغ من هذا الدعيّ، فأكشف الستار عن رجال كان لهم أثر في تحطيم قوى الأمة العربية الإسلامية ونسفها، ومنزلة كُلٍّ منهم في إحدى الفئتين: فئة من يأتي ما يأتي عن علم، وفئة من أخذ من غَفلته ومضى في الطريقى على غير بيِّنة، ولكن حل بي ما فسخ هذه النية، وأنا غير مريد لفَسْخِها. ولكن هكذا كان، ولله الأمر من قبل ومن بعد!
وعسى أن يأذن الله فيما بقي من العمر، أن أتابع كتابة تلك الفصول التي فسخ القهر نيتي في كتابتها، فإن الأمر لن يستقيم لنا، حتى نُعيد دراسة الفئتين جميعا، والكشف عن حقيقة آرائهم: كيف كانت؟ ولم جاءت؟ ومتى أذيعت؟ وإلى أيّ مكان تنتمي؟ ولن تُغني هذه الدراسة فتيلا، إذا غرَّنا مواطئ أقدامنا، ما يذكُرُون به في الناس من تمجيد وثناء، أو ما نالوا في حياتهم من توقير وتعظيم، أو ما بلغوا فينا من منزلة القيادة الفكرية والثقافية، فإن أكثر ذلك كله تدليسٌ دلسته على جماهيرنا غَفْلتُها حينا، وجَهْلها حينا آخر, ونسأل الله تعالى أن لا نَضِيع بين الغفلة والجهل، وأن يسدد خُطانا وخُطى أمتنا إلى غاية مرموقة، يعينُ على بلوغها تراثٌ من الثقافة والأدب والفكر، لو كان لعدونا مثلُه، لما لجأ إلى أبشع وسائل التدمير والنسف، حتى يتركنا أمة عاجزة جاهلة تخرُّ على آثار قدمية خاضعة، تصف نفسها بألفاظ كثيرة تُدَار على أسماع صغارنا وكبارنا بالليل والنهار، كالتخلف، والتعصب، والرجعية.
اللهم اهدنا فيمن هديت، وتولّنا فيمن توليت، وقنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يُقضى عليك، لا يذلُّ من واليت، ولا يعز من عاديت، سبحانك لا شريك لك في مُلْكك.

محمود محمد شاكر

مصر الجديدة
شارع الشيخ حسين المرصفي رقم 3
17 من ذي القعدة سنة 1391
4 يناير سنة 1972

الصفحة 11