كتاب مستخرج أبي عوانة ط الجامعة الإسلامية (اسم الجزء: مقدمة)

حصل التسامح في تخريجها (¬1).
ويترجح القول الثالث بأن إخراجهما لتلك الأحاديث للاحتجاج يقتضي زوال علة التدليس عندهما، لأنه من شرط الصحة، وقد اشترطاها في كتابيهما، ونظير هذا قول ابن حبان في مقدمة صحيحه: "فإذا صح عندي خبر من رواية مدلس أنه بين السماع فيه، لا أبالي أن أذكره من غير بيان السماع في خبره بعد صحته عندي من طريق آخر" (¬2)، والفرق بين الصنيعين أن ابن حبان ذكر ذلك تنصيصًا وهو عند صاحبي الصحيحين مذكور ضمنًا في شرطهما، فمقتضى هذا التقرير قبول عنعنة المدلسين فيهما، لأن تلك العنعنة إما أن تكون في الأصول، فهي محمولة على ثبوت السماع تحقيقا لشرط الصحة، وإما أن تكون في المتابعات فتنجبر علة التدليس برواية الحديث من أوجه أخرى، إلا أن هذا الحمل ليس كالوقوف على التصريح بالسماع في تلك المواضع، لأنه ليس الخبر كالمعاينة، ومن هنا تدرك أهمية هذه الفائدة من الكتب المستخرجات.
ثم المدلسون في الصحيحين على مراتب، فمنهم من لم يوصف بذلك إلا نادرًا، وإطلاق التدليس عليهم فيه تجوز، ومنهم من قل تدليسه في
¬__________
(¬1) انظر: السنن الأبين (ص 143 - 144)، النكت على كتاب ابن الصلاح (2/ 635 - 636).
(¬2) الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (1/ 162).

الصفحة 359