كتاب السنة النبوية وحي - شيخة بنت مفرج

وقد أكد العلماء ضرورة بيان أحوال الرواة، وأنه ليس في هذا غيبة، بل في ذلك حفظ السنة، وصيانتها عن الدخيل، وبيان الصحيح من الضعيف، والمقبول من المردود، قال ابن المبارك: (المعلى بن هلال هو، إلا أنه إذا جاء الحديث يكذب، فقال له بعض الصوفية: يا أبا عبد الرحمن، تغتاب؟ فقال: اسكت، إذا لم نبين، كيف يعرف الحق من الباطل؟) (1)
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: (جاء أبو تراب النخشبي إلى أبي فجعل أبي يقول: فلان ضعيف، فلان ثقة، فقال أبو تراب: يا شيخ، لا تغتب العلماء، فالتفت أبي إليه، فقال له: ويحك ... هذا نصيحة وليس هذا غيبة) (2)
وكانت غاية العلماء في كل هذا بيان الحق بكل أمانة وإخلاص، وكانوا يرون الأمانة في الذهب والفضة أيسر
من الأمانة في الحديث، فكانوا أمناء في كل هذا ولولا ضرورة التثبت والبحث ما خاضوا هذا الميدان الخطير، وما قاسوا المكاره والصعاب.
وقيل ليحيىبن سعيد القطان: (أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خصماءَك عند الله؟ قال: لأن يكون هؤلاء خصمائي أحب إليَّ من أن يكون خصمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: لم حدثت عني حديثاً ترى أنه كذب؟) (3)
__________
(1) الكفاية للخطيب البغدادي ص 45.
(2) الكفاية للخطيب البغدادي ص 45.
(3) تدريب الراوي 2/369.

الصفحة 47