كتاب السنة النبوية وحي - آيت سعيد

وإدراكه، وتدبره، هو الاجتهاد، والنبي صلى الله عليه وسلم فيه كغيره، وهكذا جميع الأمثلة المضروبة في القرآن، فهي على هذه الشاكلة.
(3) قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة:43] . ووجه الدلالة من الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لمن استأذنه في التخلف عن الجهاد لعذر، وكان المنافقون يعتذرون له بأعذار كاذبة، فعاتبه القرآن على إذنه لهم في التخلف دون استبانة من كان صادقا منهم في عذره، ممن انتحل عذرا غير حقيقي، وقد اجتهد النبي صلى الله عليه وسلم في الإذن لهم، فجاء القرآن يصوب خلاف ما فعل، وذلك دليل الاجتهاد في المسألة، وهو المطلوب. قال الأصفهاني:" أما وجه التمسك بالآية، فإنه عاتب الرسول صلى الله عليه وسلم في الآية على الإذن، فلو كان بالوحي لما عاتبه، وإذا لم يكن بالوحي تعين أن يكون بالاجتهاد" (1) .
(4) قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:67] .
ووجه الدلالة من الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق أسرى بدر، بعضَهم بالمن عليه بلا فداء، وبعضهم بالفداء، اجتهادا منه، فنزل القرآن يبين له أن قتلهم هو الصواب. وقصةُ ذلك بتفصيل رواها ابن عباس -رضي الله عنهما- قال:" فلما أَسروا الأسارى، قال رسول الله صلى الله
__________
(1) بيان المختصر - 3 / 294.

الصفحة 32