كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 1)
"""""" صفحة رقم 241 """"""
مصافحه ، ومستهديا منها منافخة . تقلد الحكم عليها إشتيام ذو تيقظ واستبصار ، واستدلال على الأعماق والأقصار ؛ يستدل باختلاف المياه إذا جرى ، ويهتدي بالنجوم إذا سرى ؛ قد جعل السماء مرآة ينظر فيها ، ويحذر من دجن يوافيها ؛ فإذا أصدأها الظلام بحنادسه ، وصقلها الضياء بمداوسه ، يسبح الله فيمصبحه وممساه ، ويبسمل في مجراه ومرساه ، ويذكر ربا يحفظه ولا ينساه . قد اتخذ فيه مولتيه ، من أنجد النواتية ؛ مشمرين الأثواب ، مدبرين بالصواب ؛ يفهمون عنه بالإيماء ، ويتصرفون له تصرف الأفعال للأسماء ؛ ويترنمون عند الجذب والدفع ، والحط والرفع : بهيمنة تبعثهم على النشاط . والجمام ، وتؤديهم في عملهم بالتمام . فخرجنا ونفح الريح نسيم ، ووجه البحر وسيم ؛ وراحة الريح تصافح عبابه مصافحة الخل ، وتطوي جناحه طي السجل ؛ وتجول من لججه أبرادا ، وتصوغ منحبكه أزرادا : كأنما ترسم في أديم رقشا ، أو تفتح في فصوص نقشا . قلما توسطنا ثبج البحر ، وصرنا منه بين السحر والنحر ؛ صحت الريح من سكرها ، وطارت من وكرها ؛ فسمعنا من ددوي البحر زئرا ، ومن جبال الشاني صفيرا ؛ ورأيناه يزبد ويضطرب ، كأنه بكأس الجنوب قد شرب ؛ واستقبلنا منه وجه باسر ، وطارت من أمواجه عقبان كواسر ؛ يضطرب ويصطفق ، ويختلف ولا يتفق ؛ كأن الجو يأخذ بنواصيها ، ويجدبها من أقاصيها ؛ والشاني تلعب به أكف الموج ، ويفحص منها بكلكله فوجا بعد فوج ؛ ويجوب منها ما بين أنجاد وأغوار ، وخنادق وأسوار ؛ والبحر تحتتنا كأرض تميد بأهلها ، وتتزلزل بوعرها وسهلها ؛ ونحن قعود ، دود على عود ؛ قد نبت بنا من القلق أمكنتنا ، وخرست من الفرق ألستنا ؛ والرش يكتفنا من كل جانب ، ويسيل من أثوابنا سيل المذانب . فشممنا ريح الموت وظننا التلف والفوت ؛ وبقينا