كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 1)

"""""" صفحة رقم 246 """"""
ويحصل لأهل مصر إذا وفى النيل ستة عشر ذراعا - وهي قانون الري - فرح عظيم : بحيث أن السلطان يركب في خواص دولته وأكابر الأمراء في الحراريق إلى المقياس ، ويمد فيه سماطا يأكل منه الخواص والعوام ، ويخلع على القياس ، ويصله بصلة مقررة له في كل سنة .
وقد ذكر بعض المفسرين للكتاب العزيز أن يوم وفاء النيل هو اليوم الذي وعد فيه فرعون موسى بالاجتماع ، وهو قوله تعالى إخبارا عن فرعون " قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى " . والعادة جارية أن اجتماع الناس للتخليق في هذا الوقت .
ومتى قصر النيل عن هذا النقدار ، غلت الأسعار .
وهو إذا ابتدأ في زيادته يكون مخضرا ، ثم محمرا ، ثم كدرا .
وإذا انتهى في الزيادة غشي الأرض ، وتصير القرى الروابي فلا يتوصل إليها إلا في المراكب أو على الجسور الممتدة التي تنفق عليها الأموال الكثيرة وتتخذ لحفظ الماء .
فإذا انتهى رأى مكان وأخذ حده ، قطع جسر ذلك المكان من مكان معروف " يعرفه خولة البلاد ومشايخها " يروى منه الجهة التي تليها مع ما تجمع فيها من الماء المختص بها . ولولا إتقان هذه الجسور وحفر الترع لقل الانتفاع بالنيل .
وقد حكي أنه كان يرصد لعمارة الجسور في كل سنة ثلث الخراج لعنايتهم بها : لما يترتب عليها من المصالح ، ويحصل بها من النفع في ري البلاد .
وقد وصفت بعض الشعراء ، النيل في طلوعه وهبوطه ، فقال :
واهاً بهذا النيل أي عجيبة . . . بكر بمثل حديثها لا يسمع
يلقى الثرى في العام وهو مسلم . . . حتى إذا ما مل عاد يودع .
مستقبل مثل الهلال ، فدهره . . . أبدا يزيد كما يزيد ويرجع .
وللشعراء فيه أوصاف وتشبيهات تذكرها بعد إن شاء الله تعالى في موضعها .

الصفحة 246