كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 1)

"""""" صفحة رقم 281 """"""
فجعله له خطوة . فلم يضع قدمه في شيء من الأرض إلا صار عمرانا وبركة حتى انتهى إلى مكة . وكان قبل ذلك قد اشتد بكاؤه وحزنه لما كان فيه من عظم المصيبة ، حتى إن كانت الملائكة لتحزن لحزنه ولتبكي لبكائه . فعزاه الله عز وجل بخيمة من خيام الجنة ، ووضعها له بمكة في موضع الكعبة قبل أن تكون الكعبة . وتلك الخيمة ياقوتة حمراء من ياقوت الجنة : فيها ثلاث قناديل من ذهب من تبر الجنة ، فيها نور يتلهب من نور الحنة . ونزل معها الركن ، وهو يومئذ ياقوتة بيضاء من ربض الجنة . وكان كرسيا لآدم عليه السلام ، يجلس عليه . فلما صار آدم بمكة ، حرسها الله تعالى ، حرسه الله تعالى وحرس تلك الخيمة بالملائكة كانوا يحرسونها ويذودون عنها ساكن الأرض ، وساكنوها يومئذ الجن والشياطين ، فلا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء من الجنة ، لأنه من نظر إلى شيء من الجنة وجبت له . والأرض يومئذ طاهرة نقية لم تنجس ولم يسفك فيها الدم ، ولم تعمل فيها الخطايا . فلذلك جعلها الله عز وجل مسكن الملائكة ، وجعلهم فيها كما كانوا في السماء يسبحون الليل والنهار ، لا يفترون . وكان وقوفهم على أعلام الحرم صفاً واحداً مستديرين بالحرم كله : الحل من خلفهم ، والحرم كله من أمامهم . ولا يجوزهم جني ولا شيطان . ومن أجل مقام الملائكة حرم الحرم حتى اليوم . ووضعت أعلام حيث كان مقام الملائكة . وحرم الله على حواء دخول الحرم والنظر إلى خيمة آدم من أجل خطيئتها التي أخطأت في الجنة . فلم تنظر إلى شيء من ذلك حتى قبضت . وإن آدم عليه السلام كان إذا أراد لقاءها ليلم بها للولد ، خرج من الحرم كله حتى يلقاها ، فلم تزل خيمة آدم مكانها حتى قبض الله آدم عليه السلام ورفعها الله . وبنى بنو آدم بها من بعدها مكانا : بيتا بالطين والحجارة . فلم يزل معمورا ، يعمرونه ومن بعدهم حتى كان زمن نوح عليه السلام . فنسفه الغرق وخفي مكانه . فلما بعث الله تعالى إبراهيم عليه السلام طلب الأساس ، فلما وصل إليه ظلل الله مكان البيت بغمامة . فكانت حفاف البيت الأول ، ثم لم تزل راكزة على حفافه تظل إبراهيم عليه السلام وتهديه مكان القواعد حتى رفع الله القواعد قامة . ثم انكشفت الغمامة ، فذلك قوله تعالى : " وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت " أي الغمامة التي ركزت على الحفاف لتهديه مكان القواعد .

الصفحة 281