كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 1)

"""""" صفحة رقم 283 """"""
هذه من عامر يسبحك فيه ويقدس لك غيري ؟ قال : إني سأجعل فيها من ذريتك من يسبح بحمدي ويقدس لي ، وسأجعل فيها بيوتاً ترفع لذكري ويسبحني فيها خلقي ، وسأبوئك فيها بيتاً أختاره لنفسي ، وأخصه بكرامتي ، وأوثره على بيوت الأرض كلها باسمي ، فأسميه بيتي ، وأنطعه بعظمتي ، وأخوزه بحرماتي ، وأجعله أحق بيوت الأرض كلها وأولاها بذكرى ، وأضعه في البقعة التي اخترت لنفسي ، فأني اخترت مكانه يوم خلقت السماوات والأرض ؛ وقبل ذلك قد كان بعيني : فهو صفوتي من البيوت ، ولست أسكنه ، وليس ينبغي لي أن أسكن البيوت ؛ ولا ينبغي أن تسعني ، ولكن على كرسي الكبرياء والجبروت ؛ وهو الذي استقل بعزتي ، وعليه وضعت عظمتي وجلالي ، وهناك استقر قراري ؛ ثم هو بعد ضعيف عني لولا قوتي ؛ ثم أنا بعد ذلك ملء كل شيء ، وفوق كل شيء ، ومحيط بكل شيء ، وأمام كل شيء ، وخلف كل شيء ، وليس ينبغي لشيء أن يعلم علمي ولا يقدر قدرتي ، ولا يبلغ كنه شاني . أجعل ذلك البيت لك ولمن بعدك حرماً وأمناً ، أحرم بحرماته ما فوقه وما تحته وما حوله . فمن حرمه بحرمتي فقد عظم حرماتي ، ومن أحله فقد أباح حرماتي ، ومن أمن أهله فقد استوجب بذلك أماني ، ومن أخافهم أخفرني في ذمتي ، ومن عظم شأنه عظم في عيني ، ومن تهاون به صغر في عيني ؛ ولكل ملك حيازة ما حواليه مما حواليه ، وبطن مكة خيرتي وحيازتي ؛ وجيران بيتي وعمارها وزوارها ، وفدي وأضيافي ، في كنفي وأفنيتي ، ضامنون على ذمتي وجواري ؛ فأجعله أول بيت وضع للناس ، وأعمره بأهل السماء وأهل الأرض : يأتونه أفواجا شعثا غبرا على كل ضامر يأتين من كل فج عميق ، يعجون بالتكبير عجيجا ، ويرجون بالتلبية رجيجا ، وينتحبون بالبكاء نحيبا ، فمن اعتمره لا يريد غيره ، فقد زارني ووفد إلي ونزل بي ؛ ومن نزل بي ، فحقيق علي أن أتحفه بكرامتي ؛

الصفحة 283