كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 1)

"""""" صفحة رقم 284 """"""
وحق على الكريم أن يكرم وفده وأضيافه ، وأن يسعف كل واحد منهم بحاجته . تعمره يا آدم ما كنت حيا ، ثم تعمره من بعدك الأمم والقرون والأنبياء : أمة بعد أمة ، وقرن بعد قرن ، ونبي بعد نبي ، حتى ينتهي ذلك إلى نبي من ولدك وهو خاتم النبين ، فأجعله من عماره وسكانه وحماته ، وولاته وسقاته . يكون أميني عليه ما كان حيا . فإذا انقلب إلي ، وجدني قد ذخرت له من أجره وفضيلته ما يتمكن به القربة مني والوسيلة إلي ، وأفضل المنازل في دار المقام . وأجعل اسم ذلك البيت وذكره وشرفه ومجده وثناءه ومكرمته لنبي من ولدك يكون قبل هذا النبي وهو أبوه يقال له إبراهيم ، أرفع له قواعده ، وأقضي على يديه عمارته ، وأنبط له سقايته ، وأريه حله وحرمه ومواقفه ، وأعلمه مشاعره ومناسكه ، وأجعله أمة واحدة قانتا لي ، قائما بأمري ، داعيا إلى سبيلي ؛ أجتبيه وأهديه إلى صراط مستقيم ؛ أبتليه فيصبر ، وأعافيه فيشكر ؛ وينذر لي فيفي ؛ ويعدني فينجز ؛ أستجيب له في ولده وذريته من بعده وأشفعه فيهم وأجعلهم أهل ذلك البيت وولاته وحماته وسقاته وخدامه وخزانه وحجابه حتى يبتدعوا ويغيروا ؛ فإذا فعلوا ذلك فأنا الله أقدر القادرين على أن أستبدل من أشاء بمن أشاء . أجعل إبراهيم إمام أهل ذلك البيت وأهل تلك الشريعة ، يأتم به من حضر تلك المواطن من جميع الأنس والجن ؛ يطئون فيها أثاره ، ويتبعون فيها سنته ، ويقتدرون فيها بهديه . فمن فعل ذلك منهم أوفى نذره ، واستكمل نسكه ؛ ومن لم يفعل ذلك منهم ضيع نسكه ، وأخطأ بغيته . فمن سأل عني يومئذ في تلك المواطن : أين أنا ؟ فأنا مع الشعث الغبر الموفين بنذورهم المستكملين مناسكهم ، المبتهلين إلى ربهم الذي يعلم ما يبدون وما يكتمون . وليس هذا الخلق ولا هذا الأرمر الذي قصصت عليك شأنه ؛ يا آدم ، بزائدي في ملكي ولا عظمتي ولا سلطاني ولا شيء مما عندي إلا كما زادت قطرة من رشاش وقعت في سبعة أبحر تمدها من بعدها سبعة أبحر لا تحصى ، بل القطرة أزيد في البحر من هذا الأمر في شيء مما عندي . ولو لم أخلقه لم ينتقص شيء من ملكي ولا عظمتي ولا مما عندي من الغناء والسعة ، إلا كما نقصت

الصفحة 284