كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 1)

"""""" صفحة رقم 286 """"""
ذكر حج إبراهيم عليه السلام واذانه بالحج وحج الأنبياء بعده وطوافهم
قال أبو الوليد عن محمد بن إسحاق : لما فرغ إبراهيم خليل الرحمن من بناء البيت الحرام ، جاءه جبريل عليه السلام فقال : طف به سبعاً ، فطاف به سبعا ، هو وإسماعيل . يستلمان الأركان كلها في كل طواف ، فلما أكملا سبعا صليا خلف المقام ركعتين . قال : فقام معه جبريل فأراه المناسك كلها : الصفا والمروة ومنى ومزدلفة وعرفة . فلما دخل منى وهبط من العقبة ، مثل له إبليس عند جمرة ، فقال له جبريل : ارمه ، فرماه إبراهيم بسبع حصيات ، فغاب عنه ؛ ثم برز له عند الجمرة السفلى ، فقال له جبريل : ارمه ، فرماه بسبع حصيات مثل حصى الخذف ، فغاب عنه ابليس ؛ ثم مضى إبراهيم في حجه وجبريل يوقفه على المواقف ويعلمه المناسك حتى انتهى إلى عرفة . فلما انتهى إليها ، قال له جبريل : أعرفت مناسكك ؟ قال : نعم ، قال : فسميت عرفات بذلك . قال : ثم أمر إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج ، فقال إبراهيم : يا رب وما يبلغ صوتي ؟ قال الله جل ثناؤه : أذن ، وعلي البلاغ ، قال : فعلا إبراهيم على المقام فأشرف به حتى صار أرفع الجبال وأطولها فجمعت له الأرض يومئذ : سهلها ، وجبلها ، وبرها ، وبحرها ، وإنسها ، وجنها حتى أسمعهم جميعاً ، فأدخل إصبعيه في أذنيه وأقبل بوجهه يمينا وشمالا وشرقا وغربا وبدأ بشق اليمين فقال : أيها الناس كتب عليكم الحج إلى البيت العتيق ، فأجيبوا ربكم فأجابوه من تحت التخوم السبعة ، ومن بين المشرق والمغرب إلى منقطع التراب من أقطار الأرض كلها : " لبيك ، اللهم لبيك " . قال : وكانت الحجارة على ما هي اليوم ، إلا أن الله عز وجل أراد أن يجعل المقام آية . فكان أثر قدميه في المقام آية إلى اليوم . قال : أفلا تراهم اليوم يقولون : " لبيك ، اللهم لبيك " . فكل من حج إلى اليوم فهو ممن أجاب إبراهيم . وأثر قدمي إبراهيم في المقام آية . وذلك قوله تعالى : " فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا " .

الصفحة 286