كتاب نهاية الأرب في فنون الأدب ـ العلمية (اسم الجزء: 1)

"""""" صفحة رقم 346 """"""
يتكلم بها سائر الأمم ، وهي اثنتان وسبعون لغة ، وسميت تلك الأرض التي كان بها بابل .
ذكر خبر إرم ذات العماد
وهي التي ذكرها الله عز وجل في كتابه العزيز ، فقال تعالى : " ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد " .
وكان سبب عمارتها أن شداد بن عاد بن إرم لما سمع وصف الجنة سولت له نفسه أن يبني مثلها . فبنى مدينة حضرموت وصنعاء ، طولها اثنا عشر فرسخا ، وعرضها مثل ذلك . وأحاط بها سوراً ارتفاعه خمسمائة ذراع ، غشاه بصفائح الفضة المموهة بالذهب ، فلا يدركه البصر إذا أشرقت عليه الشمس . وبنى داخلها مائة ألف قصر " بعدد رؤساء أهل مملكته " من الذهب والفضة ، وكذلك جذوع سقوفها وأعمدتها . وأجرى في وسطها نهرا صفح أرضه بالذهب ، وجعل على حافتيه أنواع الجواهر واليواقيت بدلاً من الحصباء وألقى فيه المسك والعنبر بدلا من الحمأة . وفرع منه جداول إلى تلك القصور والمنازل ، وغرس على شطوطها من الأشجار ما كان لزهره عرفٌ طيبٌ ورائحةٌ ذكية .
زعموا أنه أقام في بنائها ثلاثمائة سنة ، فلما تم بناؤها ، زاد في طغيانه وخرج من حضرموت إليها ليسكنها . فلما أشرف عليها جاءته صيحة من السماء فأهلكته هو وجنوده .
ويروى أن عبد الله بن قلابة خرج في طلب إبل له ندت فوقع عليها ، فحمل ما قدر عليه ، فبلغ معاوية خبره ، فاستحضره وسأله فقص عليه قصته . فبعث معاوية إلى كعب الأحبار ، فقال : هي إرم ذات العماد ، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك : أحمر قصير ، على حاجبه خال ، وعلى عقبه خال ، يخرج في طلب إبل ندت . ثم التفت فرأى ابن قلابة فقال : هذا والله ذاك الرجل .

الصفحة 346